مكتبة أبي حمود العلمية

سنن شهر شعبان

بسم الله الرحمن الرحيم
    إنَّ الحمدَ لله ؛ نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , وسئيات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله , صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّمَ تسليماً كثيراً .
    ]يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ[ [ آل عمران : 102 ] , ]يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا[ [ النساء : 1 ] , ]يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدٗا * يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا[ [ الأحزاب : 70 – 71 ] , أما بعد :
    فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ r ، وكلَّ محدثة بدعة ، وكلَّ بدعة ضلالة ، وكلَّ ضلالة في النار .

    أظلنا شهر شعبان بظله ، هذا الشهر الذي يحمل من عبير سنن المصطفى r الشيء الكثير . فهو شهر يليه شهر القرآن والرحمات والمغفرات والعتق من النار.
    وقد اهتم أئمة الحديث بجمع السنن الواردة فيه حتى يتأهب المسلم بأداءها لشهر رمضان المبارك .
    ولعل كثيراً من المسلمين يهتمون لأمره حرصاً منهم على معرفة سننه النبوية وأداءها على ما فهموه عن النبي r .
    فقد كان النبي r يَكثرُ من صيام شهر شعبان أكثرَ من غيره من الشُّهور ، حتَّى يُقال : لا يفطر ؛ كما في حديث عائشة عند البخاري ومسلم : [كان رسول الله r يصومُ حتَّى نقول : لا يفطر ، ويفطر حتى نقول : لا يصوم ، فما رأيتُ رسولَ الله r استكمل صيام شهر إلاَّ رمضان ، وما رأيتُه أكثر صيامًا منْه في شعبان] . وعن عائشة أيضًا رضي الله عنها قالت : [لَم يكُن النَّبيُّ r يصومُ شهرًا أكثر من شعبان ، وكان يصومُ شعبان كلَّه] ، وكان يقول : [خذوا من العمل ما تطيقون فإنَّ الله لا يمَلُّ حتَّى تملُّوا] ، وأحب الصَّلاة إلى النَّبي r ما دُووِم عليه وإن قلَّت ، وكان إذا صلَّى صلاة داوم عليها] ؛ متَّفق عليه . وفي رواية لمسلم : [كان لا يصوم من السَّنة شهرًا تامًّا إلاَّ شعبان يصِلُه برمضان] . قال بعض أهل العلم : إمَّا أن يُحمَل قولُ عائشة في صيام شعبان كلّه على المبالغة ، والمراد أنَّه كان يصوم الأكثر ، وإمَّا أن يجمع بين النُّصوص على أنَّ قولَها الثَّاني متأخِّر عن قولِها الأوَّل ، فأخبرت عن أوَّل أمْرِه أنَّه كان يصوم أكثَر شعبان ، وأخبرت ثانيًا عن آخِر أمره أنَّه كان يصومه كلَّه ، وقيل : المراد أنَّه كان يصوم من أوَّله تارة ، ومن آخِره أخرى ، ومن أثنائِه طورًا فلا يُخلي شيئًا منه من صيام ، ولا يخصُّ بعضَه بصيام دون بعض . ونقل الترمذي عن ابن المبارك أنَّه قال : جائزٌ في كلام العرب إذا صام أكثر الشَّهر أن يقول : صام الشهر كلَّه ، ويقال : فلان قام ليلته أجْمع، ولعلَّه قد تعشَّى واشتغل ببعض أمره .
    وقد ورد عند مسلم لفظ [سرر شعبان] , فما معنى : سرر شعبان ؟ . السرر : هي الأيَّام الأواخِر من الشَّهر ، سمِّيت بذلك لاستِسْرار القمر فيها ، وهي ليلة ثمان وعشرين ، وتسْع وعشرين ، وثلاثين . وقيل : سرَر الشَّهر أوله ، وقيل : وسط الشَّهر لأنَّ السرر جمع سرة ، وسرَّة الشيء أوسطه ، ويؤيِّده الندب إلى صيام البيض وهي وسط الشَّهر ، ولأنه لم يرِد في صيام آخر الشَّهر ندب ، بل ورد فيه نَهي خاص ، وهو صيام آخر شعْبان لمن صامه لأجل رمضان . وفي الصَّحيحين : عن عمران بن حصين عن النَّبيِّ r أنَّه سأله فقال : [هل صُمْتَ من سرر هذا الشَّهر شيئًا ؟] ؛ يعني شعبان ، فقال : لا ، قال : [فإذا أفطرت فصُم يومين] ؛ اللَّفظ لمسلم . ويتبيَّن من جَمع روايات هذا الحديث أنَّ السُّؤال وقع في رمضان ، والمسؤول عنه سرر شعبان ؛ ولهذا قال في آخِره : [فإذا أفطرت] ، يعني من رمضان ، [فصم يومين] عوضًا عن سرر شعبان .
    ومن جانب آخر نجد النهي عن تقدُّم رمضان بصوم يومٍ أو يومَين قد ورد في حديث أبي هُرَيْرة رضِي الله عنه عن النَّبيِّ r قال: [لا يتقدَّمنَّ أحدُكم رمضانَ بصومِ يومٍ أو يومَين ، إلاَّ أن يكونَ رجُلٌ كان يصوم صوْمَه فليصم ذلك اليوم] ؛ رواه البخاري. قال العلماء : معنى الحديث : لا تستقْبلوا رمضان بصيام على نيَّة الاحتِياط لرمضان. وقال الترمذي بعد أن أخرج الحديث : العمل على هذا عند أهل العلم ؛ كرهوا أن يتعجَّل الرَّجُل بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان ، ومثل هذا حديث عمَّار بن ياسر في صيام يوم الشَّكِّ ولفظه : [مَن صام اليوم الذي يشكُّ فيه فقد عصى أبا القاسم r] ، وكذلك الحديث الَّذي أخرجه أصحاب السُّنن وصحَّحه ابن حبَّان وغيرُه عن أبي هريرة مرفوعًا : [إذا انتصف شعبان فلا تصوموا] .
    وقد قال بعض الشَّافعية : يحرم تقدُّم رمضان بصوم يوم أو يومين ، ويُكْرَه التقدم من نِصْف شعبان للحديث الآخر ، وجُمهور العلماء يجوِّزون الصوم تطوُّعًا بعد نصف شعبان ويضعِّفون الحديث .
    وقد يجتهد كثير من طلبة العلم في معرفة الحكمة من إكثار النبي r من صيام شعبان فقال البعض : كان ينشغل عن صوْم الأيام الثَّلاثة من كلِّ شهرٍ لسفر أو غيره ، فتجتمع فيقضيها في شعبان . وقال بعضهم : كان يصنع ذلك لتعظيم رمضان . وقال البعض الآخر : كان يُكْثِر من الصَّوم في شعبان لما يفوتُه من التطوُّع في رمضان ، فصيام رمضان فريضة ، والنَّبيُّ r ما كان يُخلي شهرًا من الشُّهور من صيام تطوُّع ، إلاَّ رمضان فلا تطوُّع فيه ، فكان يكثِر من صوم شعبان لما يفوته من التطوُّع في رمضان . وأصحُّ ما قيل في ذلك أنَّه شهر يغفل عنْه النَّاس بين رجب ورمضان ؛  كما في حديث النَّسائي وأبي داود وابن خُزيمة عن أسامة بن زيد ، قال: [قلتُ : يا رسولَ الله ؛ لَم أرَكَ تصومُ من شهْرٍ من الشُّهور ما تصوم من شعبان ؟ قال : [ذلك شهرٌ يغفل النَّاس عنْه بين رجب ورمضان ، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى ربِّ العالمين ، فأحبُّ أن يُرفع عملي وأنا صائم] .

    والحمد لله رب العالمين , وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

منقول مع التصرف والتعديل
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode

0 التعليقات:

المقالات

   البلاغة العربية نشأتها وصلتها بعلوم الشريعة والعربية    همسة في صماخ الأستاذ علي حملي    إشباع النهم ببيان أقسام تعلق الكلم    الشيخ محمد أيوب رحمه الله سيرة وعطاء    التوحيد هو أعظم الأمور وأهمها    البيان والارتجال في الخطابة والوعظ والمقال    العلم الشرعي وأثره في حياة سلفنا الصالح    الأخوة الإيمانية عند حسام العدني    دولة فاحش والحرب على الإسلام بالوكالة وتفجيرات باريس


Flag Counter

التصفح المباشر

مواقع سلفية

   مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية