العلم الشرعي وأثره في حياة سلفنا الصالح . . .
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، أمَّا بعد :
لا شكَّ أنَّ جميع طلاب العلم أو أكثرهم على يقين أنَّ سلفنا الصالح - رحمهم الله - ما سادوا الدنيا بأسرها بكثرة مالٍ أو سلطةٍ أو جاه ، وإنَّما سادوها بقربهم من مولاهم وخالقهم ، وصدق سريرتهم وطهارة علانيتهم ، وسمو أخلاقهم وحسن تعاملهم مع مولاهم ؛ ثمَّ مع سائر الخلق ، وما ذلك إلَّا لانعكاس التحصيل العلمي في واقع حياتهم العملية ، فقد علموا وعملوا بصدقٍ خالص مع الله تبارك وتعالى ؛ ثمَّ مع عباد الله تبارك وتعالى ، فكانت لهم الريادة والرفعة من الله تبارك وتعالى في الدنيا والآخرة ، فشاع صيتهم في الآفاق ، بجميل الخصال وصالح الأخلاق ، فباتوا في الدنيا أسياداً ؛ لا بكثرة مالٍ ، ولا بقوة جاه ، ولا بسلطان دنيا أبداً ، وإنَّما ذلك سلطان العلم الذي عملوا به فرفعهم الله به وأعلى شأنَهم على سلاطين الأرض .
فاعلم أخي الكريم ؛ "أنَّ سلفنا الصالح - رحمهم الله - كانوا يستقبلون البلايا بالصبر الجميل ؛ لعلمهم أنَّها بتقديرِ وتصريفِ الحكيم الخبير ، وكانوا دائماً يستقبلون النعم بالشكر والحمد والثناء على الله ؛ لجزمهم أنَّها ليست منهم ولا من المخلوقين؛ بل من الكريم الدائم الإحسان ، الذي عمَّ إحسانه الخلائقَ كُلَّهُم ، وكانوا يحبون الخيرَ لبعضهم كمحبتهم لأنفسهم ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : [ لا يؤمنُ أحدُكم حتى يحبَ لأخيهِ ما يحبُ لنفسه ](1) . ولعلمهم أنَّ كراهَتَهم لا تُحدِثُ أيَّ تَغَيُّرٍ وقد عرفوا قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس : [ يا غلام احفظ الله يحفظك ](2) .
وكانوا لا يحبون الشرَّ وأهله وينهون عنه ويَنْأَوْنَ عنه . وكانوا يراقبون مولاهم دائماً ؛ ويعلمون أنَّه يعلم سِرَّهم ونجواهم ، وأنَّه أحاط بكلِّ شيءٍ علماً ، فلهذا كانوا إذا قالوا أو فعلوا ؛ تحرَّوْا ما يرضيه جلَّ وعلا فيما يقولونه ويفعلونه . وهكذا كانوا إذا أرادوا أنْ يتحركوا أو يسكنوا باستشارة ما وهبهم الله من العلم الديني يتحركون ويسكنون . لهذا كانوا لليوم موضعَ إعجابٍ ، ونالوا فوق هذا رضى ربِّ العالمين ، هكذا كانوا ببركات ما وهبهم مولاهم من العلم الديني والتمسك به تماماً .
وكانوا أزهد الناس في الدنيا لأنَّهم يعلمون حقارتها وسُرعة زوالها ، وكثرة همومها وغمومها ، وإشغالها عن طاعة الله ، ولذلك كان الناس يقدرونهم ، ويضربون بهم الأمثال .
وأنت ترى أنَّه على قدر قناعة العلماء في الدنيا تكون مكانتهم في نفوس الناس والتفافهم حولهم والاستماع لنصائحهم والانقياد لإرشاداتهم ، والرجوع إليهم فيما يُشكلُ عليهم . وعلى قدْرِ تعلُّقِ العلماء بالدنيا وتوجههم إليها تكون زهادة الناس في العلماء ، وعدم الثقة بهم ، واتهامهم والنفرة منهم ، وأكل لحومهم ، وعدم قبول كلامهم ، وإرشادهم ونصائحهم ، فلا يسمعون لهم قولاً ، ولا يُعَوِّلونَ فيما يجهلونه ، ويحرصون على البعد عنهم ويَسْتَثْقِلونَهم ، والسبب الوحيد كما عَلِمْتَ أولاً هو التعلقُ بالدنيا ضدَّ ما عليه السلف الصالح"(3) .
هذا وأسأل الله العظيم لي ولكم أن يرزقنا العلم النافع المثمر للعمل الصالح ، وأن يجعلني وإياكم ممن يترسم خطى سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، وأن يجعلنا جميعاً من العاملين بعلمهم ، وأن يرزقنا حياة سعيدة مطمئنة تحت ظل ( لا إله إلا الله ) ، وأن يجعلنا جميعا ممن يهتدي بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويتمسكبها حتى يلقاه تبارك وتعالى ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه
أبو حمود هادي محجب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) متفق عليه .
(2) أخرجه الترمذي وقال حديث حسنٌ صحيح .
(3) ما بين علامتي التنصيص انظر موارد الظمآن لدروس الزمان ( 1 / 89 - 90 ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
URL | |
HTML | |
BBCode |
0 التعليقات: