مكتبة أبي حمود العلمية

الآداب الشرعية في الأضاحي . . .

بسم الله الرحمن الرحيم

إنَّ الحمد لله؛ نَحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ مُحَمَّداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

]يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ ١٠٢[(١)، ]يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٍ وَٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَآءَۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا ١[(٢)، ]يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدٗا ٧٠ يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا ٧١[(٣)، أما بعد:

فهذه بعض الآداب الشرعية في ذبح الأضاحي، وهي ما يذبح في يوم الأضحى أو أيام التشريق من إبل أو بقر أو غنم، تقرباً إلى الله تبارك وتعالى.

وحكمها -أي الأضحية- أنها سنة مؤكدة في حق القادر عليها من المسلمين لقوله تبارك وتعالى: ]فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ[(٤)، ووقتها من بعد صلاة العيد إلى غروب شمس آخر يوم من أيام التشريق.

فمن ذبح قبل هذا الوقت عالماً أو جاهلاً فلا تجزئه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل -الذي أخبره أنه ذبح قبل صلاة العيد وهو أبو بردة خالٌ للبراء بن عازب رضي الله عنه- [شاتك شاة لحم](٥)، أي أنها لا تجزئه عن الأضحية.

ويستحب لمن ذبح أضحيته أن يأكل منها ويهدي منها ويتصدق على الفقراء، فللأضحية من الفضل الشيء العظيم، فهي قربة إلى الله تبارك وتعالى، وتوسعة على الأهل، ومنفعة للفقراء، وصلة للرحم، وإحسان إلى الجيران.

وللأضاحي سنٌ معتبرة في الشرع لابد من مراعاتها، فمن الإبل لا يُجزئ إلَّا ما كان ثنياً؛ أي تمَّ له من العمر خمسُ سنوات فأكثر. ومن البقر ما كان ثنياً تمَّ له سنتان فأكثر. ومن الضأن جذعٌ له ستة أشهر فأكثر. ومن المعز ثنيٌّ له سنة فأكثر.

وإذا تعينت الأضحية فلا يجوز له أن يبيعها، ولا أن يهبها، ولا أن يبدلها إلَّا بخيرٍ منها.

كما يجب أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام، وأن تبلغ السنَّ المعتبرة شرعاً، وأن تكون خالية وسليمة من العيوب، فلا تقبل العوراء البين عورها، ولا العرجاء البين عرجها ونحو ذلك من العيوب التي تكون مانعا من قبولها، لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه المخرج عند أبي داود والنسائي واللفظ له، أنَّه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [أربعٌ لا تَجوز في الأضاحي، العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البيِّنُ ظَلْعُهَا، والكسير التي لا تُنقي ](٦). ومن علم بمرضها بعد الذبح لم تجزئه لفوات المقصود منها.

وأفضلها أسمنها وأغلاها وأنفسها عند أهلها.

ومقطوعة الإلية أو بعضها، ومجبوبة السنام، والعمياء، ومقطوعة الساق؛ كلها لا تجزئ في الأضاحي.

وتجزئُ الشاة عن واحد، والبدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة. ويجوز أن يضحي بشاة أو بدنة أو بقرة عنه وعن أهل بيته الأحياء والأموات.

ويستحب الأضحية بأكثر من واحدة لمن وسع الله عليه في المال.

وتسن الأضحية عن الحي، كما تجوز عن الميت تبعاً لا استقلالاً إلَّا من أوصى بذلك.

ويحرم على المضحي أن يأخذ من شعره أو بشرته أو أظفاره شيئاً في العشر الأول من ذي الحجة، فإن وقع في شيء من ذلك استغفر الله ولا فدية عليه، لحديث أم سلمة رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي ، فلا يمسُّ من شعره وبشره شيئاً](٧).

ويسن لمن أراد مباشرة الذبح بيده أن يقول عند الذبح: [بسم الله والله أكبر، اللهم تقبل مني، اللهم هذا عني وعن أهل بيتي].

ومن الآداب الشرعية في ذبح الأضحية أن يكون محسناً للذبح، محدّاً لشفرته أو سكينه عالماً بكيفية الذبح.

يقول صلى الله عليه وسلم: [وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته](٨). ففي قوله هذا صلى الله عليه وسلم كثير من الآداب الشرعية تتلخص في التالي:

أولاً: يحرم على من لا يحسن الذبح أن يذبح أضحيته بنفسه؛ لأنَّ الله تبارك وتعالى قد كتب الإحسان على كل شيء.

ثانياً: وجب على من أراد مباشرة ذبح الأضحية أن يحدَّ شفرته أو سكينه لأنَّ هذا يكون أمضى في الذبح وبالتالي فيه إراحة للذبيحة.

ثالثاً: ألَّا يقوم بتحديد آلة الذبح مباشرة أمام الأضحية لكون ذلك في من الإيذاء لها بالترويع والإخافة.

رابعاً: ألَّا يقوم بذبحها أمام بقية الأضاحي بل يكون في معزل عن بقية الأضاحي بحيث لا يذبحها وبقية الأضاحي تنظر إليها.

فالسنة أن تنحر الإبل نحراً وهي قائمة معقولة يدها اليسرى حتى إذا وجبت -أي سقطت- فعلى جنوبها؛ كما قال تبارك وتعالى: ]وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِن شَعَائِرِ ٱللهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ[(٩).

وأما البقر والغنم والمعز فالسنة فيها الذبح وجوَّزَ بعضهم العكس وهذا خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

فالنحر للإبل يكون من أسفل الرقبة من جهة الصدر، وأمَّا الذبح للبقر والغنم والمعز فيكون أعلى الرقبة من جهة الرأس يضجعها على جنبها الأيسر ويضع رجله اليمنى على رقبتها ثم يُمسك برأسها ويذبح قائلاً الدعاء المأثور، ولا تحل الأضحية إلَّا بقطع مجرى المأكل والمشرب وهو المريء، ومجرى النفس وهو الحلقوم، ووريدي الدم وهما الودجين أو أحدهما، وإهراق الدم.

لحديث أنس رضي الله عنه؛ المتفق عليه قال: [ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمَّى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما].

فإن لم يحسن الذبح استأجر جزاراً فيذبح له بحضوره، ولا يجوز له أن يُعطي الجزار منها أجرته، ويسمي من هي له أو عنه عند الذبح.

وأخيراً فإني أسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد؛ وعلى آله وصحبه أجمعين.


كتبه

أبو حمود هادي محجب

الثلاثاء ٢٧ / ١١ / ١٤٣٧هـ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) [آل عمران:١٠٢].

(٢) [النساء:١].

(٣) [الأحزاب:٧٠-٧١].

(٤) [الكوثر:٢].

(٥) أخرجه البخاري في الأضاحي باب قول النبي لأبي بردة ضح بالجذع من المعز ولن تجزي عن أحد بعدك، برقم (٥٥٥٦).

(٦) أخرجه أبو داود في الضحايا باب ما يُكره من الضحايا برم (٢٨٠٢)، وصححه الألباني. كما أخرجه الترمذي والنسائي في الصغرى وابن

       ماجه والدارمي ومالك في الموطأ وأحمد في مسنده وابن خزيمة وابن حبان والحاكم في المستدرك.

(٧) أخرجه مسلم برقم (١٩٧٧).

(٨) أخرجه مسلم في الصيد والذبائح باب الأمر بإحسان الذبح والقتل وتحديد الشفرة برقم (١٩٥٥).

(٩) [الحج:٣٦].


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 



روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode

0 التعليقات:

المقالات

   البلاغة العربية نشأتها وصلتها بعلوم الشريعة والعربية    همسة في صماخ الأستاذ علي حملي    إشباع النهم ببيان أقسام تعلق الكلم    الشيخ محمد أيوب رحمه الله سيرة وعطاء    التوحيد هو أعظم الأمور وأهمها    البيان والارتجال في الخطابة والوعظ والمقال    العلم الشرعي وأثره في حياة سلفنا الصالح    الأخوة الإيمانية عند حسام العدني    دولة فاحش والحرب على الإسلام بالوكالة وتفجيرات باريس


Flag Counter

التصفح المباشر

مواقع سلفية

   مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية