مكتبة أبي حمود العلمية

ما هو حبل الحبلة ؟! . . .

بسم الله الرحمن الرحيم
    إن الحمد لله ؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلَّ له ، ومن يضلِل فلا هاديَ له ، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ، صلى عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

    [يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ](1) ، [يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبًا](2) ، [يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا](3) ، أما بعد :

    فإنَّ أصدقَ الحديث كتاب الله ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ  ، وشرَّ الأمور محدثاتها ، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلَّ ضلالة في النار .

    جاء عند البخاري(4) ومسلم(5) وغيرهما ؛ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، أن رسول الله  : [ نهى عن بيع حَبَلِ الحَبَلَةِ ، وكان يتبايعه أهل الجاهيلة ، كان الرجل يبتاعُ الجزور إلى أن تُنْتَجَ الناقة ، ثم تُنْتَجَ التي في بطنها ] .

    رواي الحديث :
    هو عبد الله بن عمرو بن العاصي بن وائل السهمي رضي الله عنه وعن أبيه ، أبو محمد وقيل أبو عبد الرحمن ، أمه ريطة بنت منبه بن الحجَّاج السهمي ، صحابي جليل ، وهو من فقهاء الصحابة ، أسلم قبل أبيه ، مات بالشام سنة خمس وستين ، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة(6) .

    موضوع الحديث :
    النهي عن بيع الغرر أو عن بيع نوع من أنواع الغرر .

    المعنى الإجمالي :
    لا زلنا أيُّها الإخوة الكرام مع بيان أنواع بيوع الغرر ، ونحن اليوم مع ( حَبَلِ الحَبَلَة ) ، فما هو حبل الحبلة ؟! .

    المراد بحبَلِ الحَبَلَةِ حمل الحمل الذي في بطن الناقة ، فالحبَلُ بالتحريك : مصدرٌ سُمِّيَ به المحمول ، كما سُمِّيَ بالحمْل ، وإنَّما دخلت عليه التاء للإشعار بمعنى الأنوثة فيه ، فالحَبَلُ الأول يراد به ما في بطون النوق من الحمل ، والثاني حَبَلُ الذي في بطون النوق(7) .

    قال المقدسي رحمه الله : [ إنَّه كان يبيع الشارف - وهي الكبيرة المسنة - بنتاج الجنين الذي في بطن ناقته ](8) .

  قلت - والقائل أبو حمود عفا الله عنه - : وهذا القول من الإمام عبد الغني رحمه الله - ظنه الكثيرون من الحديث وأدخلوه فيه ، والصواب أنه ليس من الحديث ، وإنما هو تفسير من صاحب العمدة - رحمه الله - لمعنى حبل الحبلة .

    وقال شيخنا النجمي رحمه الله : [ مثال ذلك ؛ أن يكون لأحد المتبايعين شارف هزيلة ، فاشتراها آخر منه ، وكانت له ناقة حاملٌ ، فقال لصاحب الشارف : بعني شارفك هذه بما تلِدُه ما في بطن ناقتي هذه ](9) .

    ولابن القيم - رحمه الله - كلام في ماهيته ، فقال : [ وهو نتاج النتاج في أحد الأقوال ، والثاني : أنَّه أجل ، فكانوا يتبايعون إليه ، هكذا رواه مسلم ، وكلاهما غرر ، والثالث : أنَّه بيع حمل الكرم قبل أن يبلغ ، قاله المبرد . قال : والحَبْلَة : الكرم بسكون الباء وفتحها ، وأمَّا ابن عمر رضي الله عنهما ، فإنَّه فسره بأنَّه أجلٌ كانوا يتبايعون إليه ، وإليه ذهب مالكٌ والشافعي ، وأمَّا أبو عبيدة ، ففسره ببيع نتاج النتاج ، وإليه ذهب أحمد ](10) .

    قلت - والقائل أبو حمود عفا الله عنه - والقول الأول هو المشهور عند المحدثين والفقهاء ، وهو ما فسره به عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - في الحديث .

    فقه الحديث :
    يؤخذ من هذا الحديث عدة مسائل :

    أولاً : تحريم هذا النوع من البيوع لاشتماله على غرر واضح وصريح يتنافى مع مطالب الشريعة في تحقيق العدالة .

    ثانياً : مثل هذه البيوع لا تمت إلى أخلاقيات الإسلام بصلة ، بل هي من بيوع الجاهلية التي أبطلها الإسلام .

    ثالثاً : احتواؤه على الريبة وعدم الوضوح ، كون أحد المتبايعين يبيع شارفه بنتاج النتاج الذي لا يدرى بموعده ، ولا نوعه ؛ فهل سيكون ذكراً أم أنثى ؟! ، فإن كان ذكراً توقف نتاجه وانتهى ، وإن كانت أنثى فقد تموت قبل نتاجها ، وهل يكون لها نتاج أو لا يكون أصلاً ؟! . وهذا من قبيل بيع معلوم بمجهول ، وفيه من التغرير على المشتري الشيء الكثير .

    فائدة لغوية :
    قال شيخنا النجمي - رحمه الله - : [ وقد ذكر الأمير الصنعاني أن الحَبَلَ اسمٌ لحمل الإناث من بنات آدم ، ونقل عن ابن الأنباري اتفاق أهل اللغة على أنَّ الحَبَلَ يختصُّ بالآدميات ، أمَّا غير الآدميات فيقال : حَمْلٌ . ولا يقال : حَبَل ](11) .

    قلت - والقائل أبو حمود عفا الله عنه - : وكلُّ ما ورد في القرآن الكريم في هذا الخصوص هو لفظة الحمل مطلقاً ، ولم يرد لفظة الحَبَلِ إلَّا في كلام العرب ، ومنه قول امرئ القيس في معلقته :

فَمِثْلُكِ حُبْلَى قَد طَرَقْتُ وَمُرْضِعٍ .. فَأَلْهَيْتُهَا عَن ذِي تَمَائِمَ مُحْوِلِ

    هذا والله أعلم وبالله التوفيق ؛ وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

كتبه / أبو حمود هادي محجب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) [ آل عمران : 102 ] .
(2) [ النساء : 1 ] .
(3) [ الأحزاب : 70 - 71 ] .
(4) أخرجه البخاري في البيوع باب بيع الغرر وحبل الحبلة برقم ( 2143 ) .
(5) أخرجه مسلم في البيوع باب تحريم بيع حبل الحبلة برقم ( 1514 ) .
(6) انظر الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر ( 6 / 308 ) ترجمة رقم ( 4869 ) .
(7) انظر النهاية لابن الأثير ( 1 / 334 ) .
(8) انظر عمدة الأحكام في البيوع باب ما ينهى عنه من البيوع .
(9) تأسيس الأحكام ( 3 / 26 ) .
(10) انظر زاد المعاد المجلد الخامس .
(11) تأسيس الأحكام ( 3 / 25 ) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode

0 التعليقات:

المقالات

   البلاغة العربية نشأتها وصلتها بعلوم الشريعة والعربية    همسة في صماخ الأستاذ علي حملي    إشباع النهم ببيان أقسام تعلق الكلم    الشيخ محمد أيوب رحمه الله سيرة وعطاء    التوحيد هو أعظم الأمور وأهمها    البيان والارتجال في الخطابة والوعظ والمقال    العلم الشرعي وأثره في حياة سلفنا الصالح    الأخوة الإيمانية عند حسام العدني    دولة فاحش والحرب على الإسلام بالوكالة وتفجيرات باريس


Flag Counter

التصفح المباشر

مواقع سلفية

   مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية