مكتبة أبي حمود العلمية

همسة في صماخ الأستاذ علي حملي

بسم الله الرحمن الرحيم
    إن الحمد لله ؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هاديَ له ، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّمَ تسليماً كثيراً .
    {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ ٢٠١}(١) ، {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٍ وَٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَآءَۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبًا ١}(٢) ، {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلًا سَدِيدًا ٠٧ يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا ١٧}(٣) ، أمَّا بعد :
    فإنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله ، وخيرَ الهدي هديُ مُحمد صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمور مُحدثاتُها ، وكلَّ مُحدثة بدعة ، وكلَّ بدعة في ضلالة ، وكلَّ ضلالة في النَّار .
    وكم كنتُ آمل أن يمُرَّ هذا العيد على جميع الأمَّة في خير حال ؛ ولكنَّا نقول الحمد لله على كلِّ حال . ولا شكَّ أنَّنا جميعاً نأمل أن نكون أقرب أنفساً وأصفى قلوباً وأشدَّ تلاحماً على قلب رجلٍ واحدٍ ، نقفُ صفاً واحداً مع حكومتنا الرشيدة في وجه كلِّ من تسوِّلُ له نفسه العبث بأمننا ومحاولة تفريق صفنا نحن أبناء محافظة صامطة خصوصاً وأبناء منطقة جازان عموماً بل وأبناء المملكة العربية السعودية حفظها الله من كل مكروه .
    بيدَ أنَّ هنالك أنفساً نسأل الله تبارك وتعالى أن يَسُلَّ سخائم قلوبها ؛ أبتْ إلاَّ أن تُكَدِّرَ صفوَ أخُوَّتنا ؛ بِدِلاءِ الطبقية والعصبية الجاهلية والنعرات القبلية ، فكيف عندما يكون هذا لسانُ مقالِ شاعر المحافظة ، الذي عرفه كثيرٌ من أبناء المنطقة بل والبلاد عموماً أنَّه من رواد الشعر والأدب ، ومن المربين للأجيال ، ذلكم هو الأستاذ علي حملي - أصلح الله شأنه وشأن الجميع ؛ حين خرجَ علينا ومن خلال حسابه على ( فيس بوك - Facebook ) بمقال له سرعان ما لقي استنكار كثير من أبناء المحافظة ، الأمر الذي حمله على حذفه مباشرة .
    يقول الله تبارك وتعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَسۡخَرۡ قَوۡمٞ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُونُواْ خَيۡرٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَآءٞ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُواْ بِٱلۡأَلۡقَٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن لَّمۡ يَتُبۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ١١}(٤) ، ويقول تبارك وتعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ ٣١}(٥) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : [ من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج ممَّا قال ](٦) ، هذا الحديث أتوجه به همساً إلى صماخ مربي الأجيال ومعلمها وشاعر محافظتنا الأستاذ علي حملي - أصلح الله شأنه وشأن الجميع - وتذكيراً له ؛ ورداً على مقال نشره على حسابه في ( فيس بوك - Facebook ) ؛ جانبه فيه الصواب ولم يوفق فيه أبداً أصلح الله شأنه وشأن الجميع . كما أذكره بقول النبي صلى الله عليه وسلم - حين وقف خطيباً في الناس في يوم عرفة في حجة الوداع - : [ بحسب امرئ من الشرِّ أن يَحقِرَ أخاه المسلم ، كلُّ المسلم على المسلم حرام ؛ دمه وماله وعرضه ] (٧) .
    وكان داعي نشره لمقاله الذي تم حذفه لاحقاً ؛ اعتراضه على ظهور ابن عم لي على قناة ( العربية ) الإخبارية ، وجوابه على سؤال وجهه إليه مراسل القناة من وسط سوق الاثنين الشعبي الأسبوعي ؛ حول الأوضاع الأمنية في المنطقة وإقبال الناس على البيع والشراء داخل سوق الاثنين والمنطقة عموماً ، فما كان من ابن عمي إلَّا أن أجاب بالجواب التالي ؛ ممَّا أدَّى إلى استثارة حفيظة الأستاذ علي حملي ، وأنا أضع الجواب مع تعليق الأستاذ حملي عليه حتى يكون القارئ الكريم مطلعاً على الأمر ، ولي تعقيب معاتب على كلام الأستاذ حملي :
    قال ابن عمي الأخ أبو أيمن هادي بن حمود محجب - وفقه الله - مجيباً على سؤال المراسل : [ الحمد لله ؛ احنا عايشين بأمن وأمان ، شوف الزحمة الي موجودة فيه - يقصد السوق - يدل لك على إنا ولا عندنا شي الحمد لله - يقصد استتباب الأمن - احنا عايشين بأمن والحمد لله عندنا قواتنا على الحدود ماسكة الأمن مية مية ، الحمد لله ولا فيه شي أبداً بالرغم من إننا على الحدود ] ا.هـ
    هذا الجواب أترك الحكم عليه للمنصفين من القراء الكرام . وأنتقل إلى إيراد مقال علي حملي الذي نشره على حسابه في ( فيس بوك - Facebook ) ، والذي تمَّ حذفه لاحقاً ، فقال علي حملي :
    [ من سمح لهادي ( حرضي ) يتحدث ويقول بكل بجاحة ( قواتنا ) وهو من أهل حرض ( أصلاً ومولداً ومنشأ ) وأقسم بالله أن آبائه قد نزحوا من حرض أيام ثورة اليمن على الإمام البدر ؛ أذكر ذلك وأنا يافعاً مميزاً للأحداث ] ا.هـ
    وأقول للأستاذ حملي - والقائل أبو حمود عفا الله عنه - : على رسلك وهوِّن عليك ، لست في حاجة إلى الغضب والحنق والألفاظ التي لا تليق بك كمُرَبٍ للأجيال ومعلم لهم ، فإن الغضبة التي لا تكون لأمر دينٍ تودي بصاحبها إلى الخطل في القول ، أو الزلل في الفعل يا أستاذ حملي .
    دلَّ على غضبك قولك : ( بكل بجاحة ( قواتنا ) ) . ولمزك له بالحرضي ، على عادة عَوَامِّ الناس في لمزهم لخصومهم بكلمة ( حرضي ) ، ويعنون بها النسبة إلى مديرية ( حرض ) التابعة لمحافظة حجة شمال اليمن .
    وكان من المُأَمَّل في الأستاذ حملي ألَّا يكشف للناس عن مدى الطبقية التي دار فيها والقبلية التي رَتَعَ فيها من خلال هذا الطرح الذي لم يكن فيه موفقاً ، بل كان مجحفاً فيه بحق قبيلة بأكملها ظلماً وعدواناً . فلا غرو أن يتناولها - أي الطبقية والنعرات القبلية - جيلٌ بأكمله الآن في أواسط شباب المنطقة بل والبلاد عموماً ؛ إذا كانوا قد تلقفوها ممن ائتمنوا عليهم في التعليم طيلة عقود مضت نسأل الله العافية والسلامة .
    فما كنتُ إخالُ معلماً ؛ فضلاً عن شاعرٍ أن يكون هذا منواله في الطرح أو التعقيب أو الردود . وكأني بي أستغرب كيف للجمل أن يستنوق . فقد عُرِفَ الأستاذ حملي شاعراً فإذا بي ألفيه مؤرخاً ونَسَّابَةً أيضاً ! . ويا ليت أنَّه مُطَّلِعٌ أو مُلمٌّ أو باحثٌ في التاريخ ، إلاًّ أنَّه راح يخبطُ خبط عشواء ؛ فقد ذكر عن ابن عمي أنَّه من أهل حرض ( أصلاً ومولداً ومنشأ ) .
    فيا أستاذ حملي أما تذكرت قوله تبارك وتعالى - وأنت تدلي بهذه الشهادة - : {سَتُكۡتَبُ شَهَٰدَتُهُمۡ وَيُسۡ‍َٔلُونَ ٩١ }(٨) . ثم تقسم بالله أن آبائه قد ( نزحوا ) عندما غصَصتَ وغصَّ قلمك بأن تقول ( عادوا ) وهو الصواب على ما سيتبيَّنُ للقارئ الكريم قريباً إن شاء الله .
    وخير ما أنصح به الأستاذ حملي هو قول عمرو بن معديكرب :

إذا لم تستطع شيئاً فدعه     وجاوزه إلى ما تستطيع (٩)

وإنِّي لَأُذَكِّرُ الأستاذ حملي - أصلح الله شأنه وشأن الجميع - أنَّ من خاض في فنٍّ غير فنِّه أتى بالعجائب والغرائب ، فليت الشاعر علي حملي يقتصر جهوده على الشعر ، فهو في مندوحة عن الخوض فيما لا يُحسن . ولا يكن كمن قال عنه الأعشى :

أَلَسْتَ منتهياً عن نحتِ أثلَتِنَا     ولستَ ضَائِرَهَا ما أطَّتِ الإبِلُ

ويقول :

كناطحٍ صخرةً يوماً لِيَفْلِقَها     فلَمْ يَضِرْهَا وأوهى قرنَهُ الوعلُ (١٠)

ولا يكن كمن ناداه الشاعر بقوله :

يَا ناطحَ الجبلِ العالي لِيَكْلِمَهُ     أَشْفِقْ عَلَى الرأسِ لاَ تُشْفِقْ عَلَى الجَبَلِ

    وأنا في وقفاتي هذه أتذكر شيخنا الجليل والمربي الفاضل ؛ الشيخ عثمان بن يحيى حملي - رحمه الله - رحمة واسعة ، وأسكنه فسيح جناته ، فقد كان نبراساً يحتذى ، وموسوعة شاملة من الأدب والعلم والأخلاق الفاضلة ؛ التي قلَّ نظيرها في زماننا هذا ، ومربياً فاضلاً ، والذي كان رحيله عن الدنيا فاجعة على محبيه وجيرانه وطلابه ومن عرفه رحمه الله . فأسأل الله له الرحمة والغفران والدرجات العلى من الجنة .
    وأقول للأستاذ علي حملي : أنت شاعرٌ ومعلمٌ للعربية على ما أظنُّ وتعرف الفرق بين المفردتين من حيثُ المعنى ، وقد جانبك الحق في لفظة النزوح ، والصواب كما قلتُ لك أنَّه رجوع ، كون أن جده وهو جدي عم أبي - رحمه الله - في الوقت ذاته خرج بسبب المجاعات - التي كانت تضرب منطقة جازان في ذلك الوقت - مع أبناء عمومته من صامطة وكانت حينئذٍ ليس لها ما تذكر به ، ولم تشتهر صامطة إلاَّ بعد دخول منطقة جازان تحت حكم الملك عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - ، وتحديداً بعد مجيء الشيخ عبد الله بن محمدٍ القرعاوي - رحمه الله - .
    فرحلوا للمعيشة واستقرَّ بهم الترحال بحرض تلك القرية التي تعيبهم بها أنت ومن تَلَطَّخَ في هذا المستنقع الآسن من الطبقية والقبلية من عَوامِّ الناس . وهذا كان قبل شمول الحكم السعودي الميمون والمبارك لمنطقة جازان بأسرها ، ومؤرخوا هذه المنطقة وعلى رأسهم الأستاذ العقيلي يعرفون هذا تماماً أصلح الله شأنك وشأن الجميع .
    وأذكر الأستاذ حملي أنَّ حركة الخروج لطلب المعيشة لم تكن مقتصرة على قبيلة المحاجبة ؛ بل شملت قبائل أخرى وأفراداً من قبائل شتى حتى بلغ الحال ببعضهم إلى الترَّحُل إلى أطراف سواحل الحبشة كبلاد جيبوتي وأريتيريا وسواحل بلاد السودان ، وعاد أبناؤهم بعد ذلك إلى عهد قريب إلى أرض آبائهم وأجدادهم وتحصلوا على الجنسية السعودية دون أن يعترض عليهم أحدٌ . وإخالك تعرف بعضهم إن لم يكن كثيراً منهم ، ولكنَّك لا تجرؤ حتى على مجرَّد الإشارة إليهم .
    وحركة الهجرة والتنقل هذه كانت تشمل كثيراً من قبائل شبه الجزيرة العربية ، كون أنَّ الترحل كان سمةً طاغية عليهم بحكم البداوة وطلب المعيشة ، وليس هذا مما يعيب قبائل الجزيرة العربية أبداً . فبمَ تعيبنا يا أستاذ حملي ؟! ، أبأمرٍ طال جميع القبائل أم بأمرٍ اختصت به قبيلة المحاجبة ؟! ، {نَبِّ‍ُٔونِي بِعِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٣٤١(١١) .
    وبالتالي فيكون خروج الآباء - الذين تولَّدوا بعد ذلك بحرض - من حرض إبان الثورة على الملكية في اليمن ( عودة ) لا نزوحاً يا أستاذ حملي ، والدولة وفقها الله تعلم هذا كون أنَّهم لمَّا تقدموا لطلب استرداد الجنسية أطلعوها على مكان ميلادهم دون كذب ولا غشٍّ ولا تزوير . ولا يَعِيبُهم كونهم ولدوا في حرض . فحرض قد مرَّ عليها من الخلق كثيرٌ من الصحابة وغيرهم . ولَعَلَّ مِن أشهر مَن مَرَّ عليها في هذا العصر الحديث الملك فيصل بن عبد العزيز - رحمه الله - عندما دخلها فاتحاً وناشراً لدعوة التوحيد ؛ فيما عُرِفَ بعد ذلك بـ ( دخلة السعودي ) .
    وكم من مواليد لآباء سعوديين ولدوا خارج البلاد ، كأبناء المبتعثين وأبناء التجار المستثمرين خارج البلاد ، ولم يمنعهم ذلك من حمل جنسية آبائهم وهي الجنسية السعودية التي نشرف بها ويشرف بها كل من انتمى إلى هذه البلاد .
    فإن كنتَ قد ظَنَنْتَ أنَّ هناك ما يعيبنا في ذلك ؛ فأنتَ واهمٌ يا أستاذ حملي . والذي تجهله يا أستاذ حملي أنَّ أجدادي كانوا قد تركوا مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية لبعض القبائل التي استأجروها منهم بالمزارعة على أن يسوقوا لهم نصف الغلة سنوياً ؛ كثرت أم قَلَّت في عامها . وهذه الأراضي موثقة ملكيتها للمحاجبة بصكوك صادرة من محاكم تتبع المملكة العربية السعودية ؛ مميزة من هئية تمييز الغربية على يد علماء أفذاذ - رحم الله من مات منهم وحفظ من بقي - ، ومُوَثَّقٌ من خلال هذه الصكوك الشرعية حُجَجُ تَمَلُّكٍ تعودُ إلى عام ١٢٤٦هـ وعام ١٢٥١هـ .
    وفي ذلك الوقت لم يكن أجداد الأستاذ حملي قد هبطوا من كهوف قرية السربة في جبال بني حملة باليمن ، وأنا أعتذر لأفراد قبيلة الحمالية فرداً فرداً صغيرهم وكبيرهم عن أن ينزل الردُّ إلى هذا المستوى ؛ ولكنه أمرٌ دفعنا إليه دفعاً من الأستاذ علي حملي - أصلح الله شأنه - ولم يترك لنا بُداً من الرَّدِّ ، وما كنت أتمنى أن نصل إليه . خاصة وقد بلغ به الأمر إلى التشكيك في وطنيتنا وانتمائنا لهذه البلاد المباركة .
    ويا أستاذ حملي ما إخال قصة مقتل وكيل المحاجبة على أراضيهم حسن فقيه عطيف - رحمه الله - عنك ببعيد ، وهذا يعلمه كبار السن في المنطقة فارجع إليهم واسألهم أصلحك الله ، بدل القول بلا حجة ولا أثارة من علم .
    فالذي سمح لابن عمي - هادي بن حمود بن هادي محجب - روح المواطنة التي تأصلت في نفوسنا ، وحُبُّنا لهذا الوطن المولودون على ترابه الغالي والمنتمون إليه أصلاً ومولداً ومنشأ . والذي سمح له هو مراسل القناة ، فإن كان لك من كلام يختلج بصدرك يا أستاذ حملي اعتراضاً على ظهور ابن عمِّي بها ؛ وعجزت كلماتك أن تبين عنه ، وقَصَّرَتْ بك بلاغتك وفصاحتك أن تبلغه ، فوَجِّهُ لمراسل القناة أو للقائمين عليها ، دون تجريح لأحدٍ من الناس ، خاصة وأنت قامة شعرية مسؤولٌ عمَّا تكتب أمام الله تبارك وتعالى ، وأمام قُرَّائِك الموقرين . فليتك كنت ابتعدت قليلاً عن نعرة الطبقية والقبلية المقيتة يا أستاذ حملي حتى لا تسيء إلى مسيرتك الأدبية ، ولا تكون عاملاً في تجذيرها في نفوس الأجيال القادمة ، فكلنا لآدم وآدم من تراب .
    وأمَّا اعتراضك على قوله قواتنا ؛ فنعم هي قواتنا على الحدود ، ( الجيش العربي السعودي ) و ( قوات الحرس الوطني السعودي ) حفظها الله ونصرها على الحوثيين الروافض المعتدين .
    فإن كان لك من اعتراضٍ على هذا يا أستاذ حملي فباب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - مفتوحٌ لكل قاصد ، وباب ولي عهده وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز - حفظه الله - مفتوحٌ أيضاً لكل قاصد ، وباب ولي ولي العهد وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - مفتوحٌ أيضاً لكل قاصد . فإن كانت لك من دعوى تدَّعيها على ابن عمي في قوله ( قواتنا ) فاذهب وأَدْلِ بِدَلْوِكَ لدى ولاة أمرنا وفقهم الله ؛ بدل الخوض في ما ليس لك به علمٌ ؛ وكأنَّ الله قد أطلعك على ما في قلوب عباده ، وجَلَّى لك ما تكنه نفوسهم ؛ {وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡ‍ُٔولًا٦٣}(١٢) . فلا يعلم ما في قلوب الخلق إلاَّ خالقهم تبارك وتعالى : {يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ ٩١}(١٣) .
    وهذا ما حملني على تصدير ردي هذا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ من قال في مؤمن ما ليس فيه ] الحديث .
    ثم يواصل الأستاذ علي حملي مقاله قائلاً : [ والنازحون سكنوا جوارنا بصامطة ولا يزالون ] ا.هـ
    ويلاحظ القارئ الكريم أن الأستاذ حملي لا زال مصراً على لفظة النزوح ، وهذا حامله شيء في النفس الله أعلم ببواعثه . ولا أدري من جاور من يا أستاذ حملي ؟! ، الذين عادوا لأرضهم ؟! ، أم الذين هبطوا إليها من جبال قرية ( السربة ) في بني حملة ؟! .
    ولولا أنَّي أمقت الخوض والكلام في مثل هذه الأمور ؛ كون أني لديَّ من الحمالية من يَعُزُّون عليَّ كأصدقاء وأصحابٍ لاسترسلت معك يا أستاذ حملي في سرد الأنساب والهجرات التي كانت حاصلة بين القبائل بسبب المجاعات والحروب التي كانت طاغية في المنطقة والنزاعات قبل مجيء الحكم السعودي المبارك للمنطقة .
    ولكن أتركها لأحد أفراد قبيلة الحمالية من باب أعط القوس باريها ، ومن باب قوله تعالى {وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۡ أَهۡلِهَآ}(١٤) ، ومن باب أهل مكة أدرى بشعابها ؛ في أن يسرد لك يا أستاذ حملي من هم النازحون .
    فقد خرج الأخ محمد بن علي زلالة حملي(١٥) في بحث ميداني إلى جبال بني حملة باليمن والتقى بعدد من شيوخهم وخرج ببحث في هذا الأمر يجد القارئ الكريم خلاصة بحثه على هذا الرابط :

التحميل المباشر :     حُذِفَ الرابطُ بناءً على طلب صاحبه

    والذي يجهله الأستاذ علي حملي عن بني المحجب أو المحاجبة أنهم حكميون أصلاً وفصلاً ، وأنَّ منهم من سكن مناطق متفرقة ما بين القنا ورجال ألمع في منطقة عسير ، وأنَّ منهم من سكن خلب بمنطقة جازان ، وهم ينتسبون إلى الشيخ شرف الدين أبي القاسم بن الطيب بن أبي القاسم بن عليٍّ بن أبي بكر الحكمي المعروف بـ ( المحجب ) ، المتوفى سنة 999هـ .



    والذي ترجم له صاحب العقيق اليماني في حوادث ووفيات المخلاف السليماني ، لعبد الله بن علي الضمدي - رحمه الله - ، وذلك في الصفحة الثامنة والثلاثين ومائتين من المخطوط .


    وهو لا يزال مخطوطاً ، وهو من محفوظات مكتبة جامعة الملك سعود رحمه الله .


    وبقية مشجرات الأنساب التي عند العارفين بأنساب بني الحكم تثبت ذلك وتتواطؤ عليه ، ومنهم حكامية مزهرة والمضايا وغيرهم من الذين تربطنا بهم روابط العمومة والأخوة ؛ وتجمعنا بهم أواصر الأرض والدم من أبناء الحكم بن سعد العشيرة ؛ يعرفون من هم المحاجبة يا أستاذ حملي . وأعوذ بالله من بواعث الأحقاد والغل على عباد الله .
    وقد أخبرني شيخنا الشيخ علي بن عبد الله الأهدل - رحمه الله - أنَّ الشيخ محمداً الحكمي - أخا الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله - أخبره أكثر من مرة أنهم والمحاجبة أبناء عمومة . كما أخبرني شيخنا الشيخ علي البهكلي - حفظه الله - أنَّ الشيخ محمداً الحكمي - رحمه الله - أخبره بأنهم أبناء عمومة للمحاجبة .
    وأنا لا يهمني من هذا كله إلَّا أن يُزايد على ولائنا وانتمائنا لهذه البلاد ولولاة أمرنا وفقهم الله أيُّ أحد ؛ كائناً من كان .
    ثم واصل الأستاذ حملي مقاله قائلاً : [ ويشتهرون - أي المحاجبة - بالتمويه والتورية والذهاب في المعنى لبعد آخر ؛ لا يفهمه إلَّا العارفين بهم . هادي - يقصد ابن عمي - لما يقول قواتنا في الحدود لا يقصد القوات السعودية المرابطة ، بل قواتهم المعادية ] ا.هـ
    أقول - والقائل أبو حمود عفا الله عنه - : الحمد لله أنَّك شهدتَ لنا بأننا عربٌ أقحاح كوننا نمارس التورية والذهاب في المعنى لبعد آخر ، وإن كنت أقمت هذه الشهادة لحاجة في نفس يعقوب ، وتمهيداً لأمرٍ آخر لم ينص عليه ابن عمي في كلامه ، ولا يفهم من كلام ابن عمي الفهم الذي فهمته أنت ؛ إلاَّ من كان موتوراً ومشحوناً بأمور في النفس . وإلا فما أدراك يا علي حملي أنَّ ابن عمي أراد القوات الأخرى ؟! ، ويا ليت أنَّك قلتَ قوات الشرعية لهان الأمر عندي ، بل قلتَ ( قواتهم المعادية ) .
    أقول قاتل الله الهوى وقاتل الله التخرص وأهله . فكيف عرفتَ يا علي حملي أنه يقصد القوات المعادية ؟! .
    ألا تعلم أنَّ كلامك هذا له تبعات تُطالب بإثباتها أو أن تُدان بكلامك هذا وتطلب إلى المحكمة الشرعية ؟! .
    فمن تبعات كلامك ما يلي :
    أولاً : أنك ترمي قبيلة بكاملها أنهم مع الحوثيين وأنهم موالون لهم ؟! .
    ثانياً : أنَّك بهذا الاتهام تُخرجنا من حياض السنة والإسلام إلى ملة الرفض والإلحاد والفجور أسأل الله العفو والعافية .
    ثالثاً : من تبعات كلامك يا علي حملي أنَّك تنزعُ عنَّا البيعة التي بايعنا عليها ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وولي ولي عهده على السمع والطاعة بالمعروف في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرة علينا .
    رابعاً : أنك بهذا الاتهام تضعنا في دائرة العمالة مع الحوثيين ، ونحن نبرأ إلى الله من هذه الجرائم التي احتواها اتهامك هذا . فقاتل الله الجهل والحمق ما يفعلان بأهليهم .
    والكل يعلم والدولة وفقها الله تعلم أننا سعوديون مبايعون لولاة أمرنا حفظهم الله .
    وأنا ومنذ عهد الدراسة وتحديداً المرحلة الابتدائية ؛ كنت ولا زلتُ أسمع جعجعة ولا أرى طحيناً لمن يُعرف بكونه شاعراً ومعلماً للغة العربية .
    وقد ثبت لي وبكلِّ وضوحٍ أنَّك يا علي حملي وبعد مقالك هذا ذو بضاعة مزجاة في علم النحو وعلم البلاغة ؛ بعد ما قرأتُ ورأيتُ . وهذا رأيي يا أستاذ حملي قبلته أم رددته .
    فيا أستاذ حملي على رسلك وهَوِّن عليك ، فهذا مطلعٌ صعبٌ ؛ لا تُحسن رُقِيَّه ؛ وإن رَقِيتَه لم تُحِط بمهابِطِه خُبرا . فقد بِتَّ لا تفرق بين ما هو التصريح وما هو الجواب على سؤال يُطرح على شخص في تقرير مراسلٍ لقناة إخبارية ، وهذا لا يعرفه إلاَّ ممارسوا الإعلام ومزاولوه .
    ثم يسترسل الأستاذ حملي في مقاله قائلاً : [ يجب ألاَّ يتحدث لوسائل الإعلام إلاَّ أصحاب الشخصية المعتبرة ؛ من أبناء الوطن الحقيقيين . وهمسة مني للعربية القناة الرائعة حضورياً في قلب الحدث والمميزة تغطية ألاَّ تأخذ التصاريح والتحدث ممن هبَّ ودبَّ . فقد ( يَدُسُّ السمَّ في العسل ) ، وووووه هادي ( توَدَّر ) قليل تراه عهد سلمان على جانبيه ( العملاقان ) . ابن الوطن ] ا.هـ
    فالأستاذ حملي بات موجهاً لوسائل الإعلام ألَّا يتحدث فيها إلاَّ أصحاب الشخصية المعتبرة على حدِّ تعبيره ، ونعوذ بالله من نبرات التعالي والتكبر على عباد الله ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : [ لا يدخلُ الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ](١٦) . ولستُ أعلمُ عن الدولة - وفقها الله - أنَّها تُصَنِّفُ مواطنيها ما بين مواطنٍ حقيقي ومواطنٍ غير حقيقي ؛ فمن أين جئتنا بهذا المصطلح يا أستاذ حملي ؟! ، أرجو منك إفادتنا أصلح الله شأنك وشأن الجميع .
    فالأمر هيِّنٌ لا يستحق كل هذا التعالي على الخلق ، فهو مجرد لقاء أجراه مراسل القناة مع المواطنين المرتادين لسوق الاثنين في ذلك اليوم ، وكان اختيار المراسل للمواطنين على صورة عينات عشوائية ما بين بائعين وما بين مشترين . فما الذي يضيرك يا أستاذ حملي في ظهور رجل أو آخر يسأله مراسل القناة وهو يجيب ؟! .
    هل بينك وبين ابن عمي عداء شخصي حتى تنقمَ عليه ظهوره على قناة العربية أو غيرها من القنوات مجيباً على سؤال وجه له من قبل المراسل ؛ وموضحاً حالة ارتياح المواطنين من أبناء المنطقة وإشادتهم بالوضع الأمني الرائع ؟! ، الذي نعيشه بفضل الله تبارك وتعالى ثم بفضل حكمة ولاة أمرنا حفظهم الله وبفضل قواتنا السعودية المرابطة على حدود بلادنا نصرهم الله .
    فنحن يا أستاذ حملي - أصلح الله شأنك - لسنا ممَّن هبَّ ودبَّ ؛ فمنا الضباط ومنا العساكر المرابطون على حدود نجران وعلى حدود الشمال في خدمة الله والدين والعقيدة وحراستها وحماية الوطن والمواطنين وفي طاعة ولاة أمرنا وفقهم الله ؛ ومنَّا المعلمون ؛ ومنا الأطباء ومنا الممرضون ، ومنا الصالحون ومنَّا دون ذلك كنا طرائق قددا . وبالرغم من ذلك لم يُعرف أحدٌ من ( المحاجبة ) بالخروج على ولاة الأمر ولا الخيانة ؛ ولا نزع يدٍ من طاعة أبداً ولله الحمد ، حتى تقول ( فقد يدُسُّ السمَّ في العسل ) .
ثم ينادي الأستاذ حملي ابن عمي بلهجتنا الدارجة بقوله ( وووووه هادي ( تودَّر ) قليل ) ، وكلمة ووه عندنا مفردة تستعمل كأداة نداء ، والمعنى اهدأ قليلاً ، ويقول الأستاذ حملي مهدداً - كما يفهمه الجيزاني من لهجته - : ( تراه عهد سلمان على جانبيه العملاقان ) .
    وأقول - والقائل أبو حمود عفا الله عنه - : نعم يا أستاذ حملي إنَّه عهد سلمان الحزم وفقه الله ، عهد سلمان عهد عزة ومنَعَةٍ للمسلمين إن شاء الله ، عهد النماء والخير ورفعة الوطن وعزته ورقيه ورقِيِّ المواطن .
    لا يُتَّخَذُ تهديداً للمواطن الشريف يا أستاذ حملي - أصلح الله شأنك - كما هيَ عادة عوامِّ الناس وجهالهم ، وكان ينبغي عليك ألاَّ تقع في هذا المهيع السحيق ، وكان الأجدر بك أن تحرص على التآخي في الله وفي الوطن الواحد وحق المواطنة للجميع صغيرنا وكبيرنا وألاَّ نزايد على وطنية بعضنا البعض . هذه الروح - روح التآخي - التي حرص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوَثِقَها في نفس كل مسلم بغض النظر عن لونه وعرقه وبلده . فكيف بنا نحن أبناء البلد الواحد ؟! ، كيف وولاة أمرنا وفقهم الله ومنذ قيام المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - ببناء هذا الصرح الشامخ على أسس التوحيد والعقيدة السلفية ؛ حرصوا على عدم التفرقة القبلية وعلى المساواة بين المواطنين دون نظر إلى لون أو عرق أو قبيلة على أخرى . والعملاقان يقصد بهما ولي العهد وولي ولي العهد حفظهما الله .
    ثم يختم الأستاذ حملي مقاله بالتوقيع ( ابن الوطن ) ، وأقول له كلنا أبناء هذا الوطن ، فلا تحتكر ولا تقصُر الوطنية على نفسك فقط ، وتمنعها عن غيرك وتزايد على وطنية الآخرين وتشكك بها أصلح الله شأنك وشأن الجميع ، ولست مُخَوَّلاً بتصنيف الناس أو منح الناس حقَّ المواطنة على حسب درجاتهم ، فليس هذا عُشُّكِ فادرجي .
    بل الحقُّ في هذا هو لولي أمرنا - حفظه الله - أو من خوله وأنابه من الوزراء والجهات الحكومية كوزارة الداخلية ممثلة في وكالة الأحوال المدنية بجميع فروعها في مناطق المملكة فجميع مواطني هذا البلد على درجة واحدة في المواطنة والمساواة وذلك وفق الأنظمة والمواد التي تسير عليها الدولة - حرسها الله - في نظام الأحوال المدنية منحاً أو منعاً .
    فليس لك فضلٌ ولا منة علينا يا أستاذ حملي حتى تعيرنا به أو تَمُنَّ به علينا ، بل الفضل لله وحده ثم لولاة أمرنا وفقهم الله على أن كُنَّا من أبناء سلمان ومن جنوده على طاعة الله تبارك وتعالى . فلهم منا جزيل الشكر ؛ ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله ، ولهم منا خالص الدعاء أن ينصرهم الله على عدوهم .
    إذا كان جارك يا عبد الله لم يسلم منك ؛ فأين موقعك من حديث أبي شُرَيْحٍ رضي الله عنه ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ والله لا يؤمن ؛ والله لا يُؤمنُ ؛ والله لا يُؤمن ، قيل ومن يا رسول الله ؟ ، قال من لا يأمنُ جارُهُ بوائقه ](١٧) ، وأين موقعك يا عبد الله من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ](١٨) .
    وكم كنتُ أتمنى أن لو تحلى كاتبُ المقال بالشجاعة الأدبية فأبقى على مقاله ، ما دام أنه قد رأى أن لا غضاضة فيما كتبَ وسمح لنفسه بنشره ، وحتى يعلم الناس مدى الرُّقِيِّ الفكري والأدبي الذي يتمتعُ به مربي الأجيال .
    وحاصل القول وخلاصته ؛ أنَّ الشاعر علي حملي بات بين أمرين أحلاهما مُرٌّ وعلقمٌ لا يكادُ يسيغه ، إمَّا أن يتقدَّمَ باعتذار رسمي بحضرة رجال وأعيان ووجهاء المحافظة إلى أفراد قبيلة المحاجبة الذين تلفظ عليهم بما لا يليق به كرجل طاعنٍ في السنِّ ، فخانته تراكمات سنه ولم تسعفه تجاربه في الحياة ، ولم يعظه سريان الشيب في شعره سريان النار في الهشيم . أو أن يُطلَبَ إلى المحكمة الشرعية من قِبَلِ خصومه ، وعند الله تجتمع الخصوم .
    وأختم همستي هذه بنصيحة غالية إلى مربي الأجيال علَّ الله تبارك وتعالى أن ينفعه بها ، فأوصي نفسي وإياه وكلَّ مسلم بتقوى الله تبارك وتعالى ، فإنَّها رأس مال المسلم ، وزاده الذي يتبلَّغُ به إلى الآخرة .

    أقول - والقائل أبو حمود عفا الله عنه - :


إذا أنا لم أرحل بزادٍ من التُّقَى     فيا خيبة المسعى ويا طيلة الشقى
تقلبتُ في الدنيا بستين حِجَّةٍ     فلم أرعوي فيها ولا العقلُ قد رقى
متى تنجلي الظلماءُ عني بساطعٍ    من الصدق في أن لَا خلودٌ ولا بقا
وأحزم أمري في رجوعٍ وتوبةٍ     فإنِّي من الدَّيَّانِ يوماً على لقا
إذا الروح يَحْدوها إلى الله نَزعُها     ولم يُغْنِ عنها مَن يُرَتِّلُ في الرُّقى
ويَسقي الرَّدَى فيها ملاكٌ مُوَكَّلٌ     يُجَرِّعُها الغصَّاتِ طُرّاً كمن سقى
وأَلْفي حسابي عندَ ربي مُسَطَّراً     بما كنتُ في الدنيا اقْتَرَفْتُهُ مُسبَقا
فآتي ومسكيناً حقرتُ تعالياً     ظلمتُ الورى أو كم غَصَبْتُ من العَقا
فيا حسرةً مني على ما فعلتُهُ     ويا عينُ شنِّي منك دمعاً مُرَقْرَقا
تَصَابَيْتُ حتى غَرَّني طولُ صحةٍ     وشَيْبي نذيرٌ قد غزا لي المَفارِقا
فيا رَبُّ عفواً منك جوداً تَكَرُّماً     وأحسن ختامي يومَ موتي تَرَفُّقا

    كما أوصي نفسي وأوصيه بأن يستغفر الله على ما بدر منه ويسارع للتحلل ممن ظلمهم في مقاله هذا . لأنَّ للتوبة شروطاً ومنها التحلل من مظالم العباد .
    وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

كتبه
أبو حمود هادي بن قادري بن حسين محجب
١٢ / ١٢ / ١٤٣٧هـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) [ آل عمران : ١٠٢ ] .
(٢) [ النساء : ١ ] .
(٣) [ الأحزاب : ٧٠ - ٧١ ] .
(٤) [ الحجرات : ١١ ] .
(٥) [ الحجرات : ١٣ ] .
(٦) أخرجه أبو داود في القضاء باب في الرجل يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها برقم ( ٣٥٩٧ ) . وأحمد في مسنده ( ٩ / ٢٨٣ )  برقم ( ٥٣٨٥ ) ، والحديث صحيح .
(٧) أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب ؛ باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وماله وعرضه ، برقم ( ٢٥٦٤ ) .
(٨) [ الزخرف : ١٩ ] .
(٩) بيتٌ من قصيدة لعمرو بن معديكرب يقول في مطلعها :

أَمِن ريْحانةَ الداعي السميعُ     يُؤَرِّقُنِي وأصحابي هجوعُ

(١٠) من معلقة الأعشى التي مطلعها :

ودّعْ هريرة َ إنْ الركبَ مرتحلُ     وهلْ تطيقُ وداعاً أيها الرّجلُ ؟

(١١) [ الأنعام : ١٤٣ ] .
(١٢) [ الإسراء : ٣٦ ] .
(١٣) [ غافر : ١٩ ] .
(١٤) [ يوسف : ٢٦ ] .
(١٥) هو محمدٌ بن عليٍّ بن محمدٍ بن محمدٍ بن الزلالة الجبَّاري الحملي ، والجبَّاري هو الشيخ حسين بن محمدٍ بن حسن الشيخ الجبَّاري الحملي ، الذي ينتسب إليه جميع بني حملة في اليمن وفي محافظة صامطة ، هكذا نسبه بنُ نباتة في كتابه الخطب المنتخبة وهذا الكتاب ذكر الباحث وفقه الله أنَّه لا يزال مخطوطاً بحوزة الشيخ محمد بن علي فارعٍ الجبَّاري . ومن ذرية الشيخ الجبَّاري الحملي علي بن إبراهيم بن الشيخ الجبَّاري الحملي وكان قد وفد على المحافظة قديماً قبل دخول منطقة جازان تحت الحكم السعودي وإليه ينسب جميع الحمالية بمحافظة صامطة ، كما أشار الباحث وفقه الله .
(١٦) أخرجه مسلم في الإيمان باب تحريم الكبر وبيانه برقم ( ٩١ ) .
(١٧) أخرجه البخاري في الأدب من صحيحه باب إثم من لا يأمنُ جارُهُ بوائقه ، برقم ( ٥٦٧٠ ) .
(١٨) أخرجه البخاري في الإيمان بابٌ المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، برقم ( ١٠ ) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode

0 التعليقات:

المقالات

   البلاغة العربية نشأتها وصلتها بعلوم الشريعة والعربية    همسة في صماخ الأستاذ علي حملي    إشباع النهم ببيان أقسام تعلق الكلم    الشيخ محمد أيوب رحمه الله سيرة وعطاء    التوحيد هو أعظم الأمور وأهمها    البيان والارتجال في الخطابة والوعظ والمقال    العلم الشرعي وأثره في حياة سلفنا الصالح    الأخوة الإيمانية عند حسام العدني    دولة فاحش والحرب على الإسلام بالوكالة وتفجيرات باريس


Flag Counter

التصفح المباشر

مواقع سلفية

   مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية