مكتبة أبي حمود العلمية

شرح كتاب الطهارة من عمدة الأحكام .. الحديث الخامس

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فها نحن مع الدرس الخامس من شرح كتاب الطهارة من عمدة الأحكام ، وهو حديث أبي هريرة t ، فأقول مستعيناً بالله :

الحديث الخامس

    [5] عَن أَبِي هُرَيرَةَ t ، أَنَّ رَسُولَ ٱللَّهِ r قَالَ : « لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي ﭐلْمَاءِ ﭐلدَّائِمِ ﭐلَّذِي لاَ يَجْرِي ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ » .
    ولِمسلمٍ : « لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي ﭐلْمَاءِ ﭐلدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ » .
    تَخريج الحديث :
        هذا الحديث أخرجه البخاري في الوضوء باب البول في الماء الدائم برقم ( 239 ) ، فقال :
    حَدَّثَنَا أَبُو ٱليَمَانِ قَالَ : أَخبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ : أَخبَرَنَا أَبُو ٱلزِّنَادِ ، أَنَّ عَبدَ ٱلرَّحْمٰنِ بْنَ هُرْمُزٍ ٱلأَعرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ أَنَّه سَمِعَ رَسُولَ ٱللَّهِ r يَقُولُ : « لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي ﭐلْمَاءِ ﭐلدَّائِمِ ﭐلَّذِي لاَ يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ » .
    والمناسبة ظاهرة للباب .
    كما أخرجه مسلم في الطهارة باب النهي عن البول في الراكد فقال :
    حَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَربٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَن هِشَامٍ ، عَنِ ٱبْنِ سِيرِينَ ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ ، عَنِ ٱلنَّبِيِّ r قَالَ : « لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي ﭐلَمَاءِ ﭐلدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ » .
    والمناسبة ظاهرة للباب .
    كما أخرجه أبو داود في الطهارة باب البول في الماء الراكد برقم ( 69 ) ، فقال :
    حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا زَائِدَةُ فِي حَدِيثٍ ، عَن مُحَمَّدٍ ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ ، عَنِ ٱلنَّبِيِّ r قَالَ : « لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي ﭐلْمَاءِ ﭐلدَّائِمِ ﭐلَّذِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ » .
    والمناسبة ظاهرة للباب .
    كما أخرجه الترمذي في الطهارة باب ما جاء في كراهية البول في الماء الدائم برقم ( 68 ) ، فقال :
    حَدَّثَنَا مَحمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ ، حَدَّثَنَا عَبدُ ٱلرَّزَّاقِ ، عَن مَعْمَرٍ ، عَن هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ ، عَنِ ٱلنَّبِيِّ r قَالَ : « لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي ﭐلْمَاءِ ﭐلدَّائِمِ ثُمَّ يَتَوَضَّاُ مِنْهُ » .
    والمناسبة ظاهرة للباب .
    كما أخرجه النسائي في الطهارة باب الماء الدائم ( 1 / 49 ) ، برقم ( 57 ) ، فقال :
    أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : أنبأنا عيسى بن يونس ، قال : حدثنا عوف ، عن مُحمد ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله r قال : « لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي ﭐلْمَاءِ ﭐلدَّائِمِ ثُمَّ يَتَوضَّأُ مِنْهُ » .
    قال عوف وقال خلاس : عن أبي هريرة ، عن النبي r مثله .
    وفي الرواية التي بعدها برقم ( 58 ) : عن يعقوب بن إبراهيم ، بلفظ : « ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ » . قال النسائي : [ كان يعقوب لا يُحدِّثُ بِهذا الحديث إلاَّ بدينار ] ا.هـ
    كما أخرجه أيضاً في الغسل والتيمُّم باب ذكر نَهي الجنب عن الاغتسال في الماء الدائم ( 1 / 197 ) برقم ( 395 ) ، فقال :
    أخبرنا مُحمد بن حاتِم ، قال : حدثنا حِبَّانُ ، قال : حدثنا عبد الله ، عن مَعْمَرٍ ، عن هَمَّامِ بن منبه ، عن أبي هريرة ، عن النبي r قال : « لَا يَبُولَنَّ ﭐلرَّجُلُ فِي ﭐلْمَاءِ ﭐلدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ أَوْ يَتَوَضَّأُ » .
    أمَّا قوله ولِمسلم : « لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي ﭐلْمَاءِ ﭐلدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ » .
    هذا الحديث أخرجه مسلم في الطهارة باب النهي عن الاغتسال في الماء الراكد ، فقال : حدثنا هارون بن سعيد الأَيْلِي وأبو الطاهر وأحْمد بن عيسى جَميعاً عن ابن وَهْبٍ . قال هارون : حدثنا ابن وَهْبٍ ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن بُكَيْرِ بن الأشج ، أنَّ أبا السائب مولى هشام بن زُهْرَةَ حدثه أنَّه سَمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله r : « لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي ﭐلْمَاءِ ﭐلدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ » .
    والمناسبة ظاهرة للباب .
    كما أخرجه النسائي في الغسل والتيمُّم باب ذكر نَهي الجنب عن الاغتسال في الماء الدائم ( 1 / 197 ) برقم ( 394 ) ، فقال :
    أخبرنا سُليمان بن داود والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسْمع ، عن ابن وَهْبٍ ، عن عمرِو بن الحارث ، أنَّ أبا السائبِ حدَّثه أنَّه سَمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله r : « لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي ﭐلْمَاءِ ﭐلدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ » .
    لكن في السند انقطاع بين عمرِو بن الحارث وأبي السائب ، كما عند مسلم وكما عند النسائي أيضاً في الطهارة باب النهي عن اغتسال الجنبِ في الماء الدائم ( 1 / 125 ) برقم ( 220 ) ، فقال :
    أخبرنا سُليمان بن داود والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسْمع واللفظ له ، عن ابن وَهْبٍ ، عن عمرِو بن الحارث ، عن بُكَيْر ، أنَّ أبا السائب أخبره أنَّه سَمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله r : « لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي ﭐلْمَاءِ ﭐلدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ » .
    وكما عند الطحاوي في شرح معاني الآثار ، فقال :
    حَدَّثَنَا يُونُسُ ؛ قَالَ : أَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ ؛ قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَشَجِّ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ ، حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ r : « لَا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ » ، فَقَالَ : كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ ، فَقَالَ : يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلاً » .
    وفي الباب عن جابر مثله عند مسلم .
    راوي الحديث :
    سبقت ترجَمته معنا في الحديث الثاني .
    موضوع الحديث :
    النهي عن البول في الماء الراكد ، كذلك الاغتسال منه أو فيه إذا كان جنباً ، أو الوضوء منه إذا بال فيه ، أو الشرب منه كما في بعض روايات هذا الحديث عند الطحاوي في شرح معاني الآثار .
    يعني مسألة النهي عن البول في الماء الراكد ثُمَّ يأتي للاغتسال فيه أو منه إذا كان جنباً حتى وإن لَم يكن جنباً نُهيَ عن البول فيه ثُمَّ يأخذ منه إمَّا للوضوء أو للاغتسال أو يتوضأ فيه أو يغتسل فيه .
    المفردات :
    قوله « لا يَبُولَنَّ » : « لا » هنا ناهية ، والفعل المضارع « يَبُولَنَّ » مَجزوم ، حُرِّكَ بالفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة .
    قوله « ﭐلدَّائِم » : الدائم والراكد بِمعنى واحد وهو المستقر .
قال ابن حجر : « قال ابن الأنباري : الدَّائِمُ من حروف الأضداد ؛ يُقال للساكن والدائر ، ومنه أصاب الرأسَ دوامٌ أو دُوار »(1) ا.هـ
    قوله « ﭐلَّذِي لاَ يَجْرِي » : هذا تفسيرٌ لِمعنى الدائم .
    قال ابن حجر : « وهو صفة مُخصصة لأحد معنى المشترك »(2) ا.هـ
    قال مقيده - أبو حمود - عفا الله عنه : يعني إمَّا للراكد أو الدائم ، لكن في الأصح هي صفة للدائم ، لأنَّ الدائم قد يكون غير راكد ، قد يكون بئراً متجددة مثلاً ؛ فهذه تكون دائمة أي مستمرة ليست مستقرَّة . لكن الصفة التي خصصت المعنى هنا هي قوله « ﭐلَّذِي لاَ يَجْرِي » .
    قال ابن حجر : « وقيل الدائم والراكد مقابلان للجاري ، لكن الدائم الذي له نبع والراكد الذي لا نبع له »(3) ا.هـ
    قال مقيده - أبو حمود - عفا الله عنه : وهو الصواب إن شاء الله .
    المعنى الإجْمالي :
    الإسلام دين كمال ودين نظافة ، ومن ذلك أنَّ النبي r نَهى عن البول في الماء الدائم الذي لا يَجري ، لأنَّ فيه حاجة للناس من حيث السقاية والزراعة والشرب كذلك وسقي الأنعام ، وحاجتهم إليه مستمرة ، والبول فيه لا شكَّ أنَّه يفسده . كما نَهى الجنبَ عن الاغتسال فيه بغمس الجسم أو بعضه حتى لا يوسخه على غيره ، ونَهاه أيضا عن أن يشرب منه بعد أن بال فيه ، وما ذلك إلا لتحول ذلك الماء إلى نَجس مع كثرة بوله فيه .
    وبعد أن سأل التابعيُّ أبا هريرة t عن كيفية الاستخدام أرشده إلى الكيفية الصحيحة ، وهي أن يتناوله تناولاً ، وهذه الكيفية ليس لأبي هريرة t أن يُجيب عنها من تلقاء نفسه ما لم يكن لديه علم مسبق من المعصوم r .
    فقه الحديث :
    أولاً : اختلف أهل العلم في المراد بالنهي .
    فحمله الجمهور على التنْزيه مقيداً في البول بِما زاد على القلَّتين . أمَّا في الغسل فهو على الإطلاق .
    وأمَّا الظاهرية وجَماعة من أهل العلم فقالوا النهي عن البول في الماء الدائم للتحريِم .
    قال مقيده - أبو حمود - عفا الله عنه : وهو الصواب إن شاء الله جرياً على القاعدة الأصولية في أنَّ النهي للتحريِم إلاَّ مع وجود الصارف ، ولا صارف هنا .
    وذهب المالكية إلى القول بالكراهة . فذهب مالكٌ وبعض أهل الحديث إلى أنَّ الماء لا يُنجِّسُه شيء إلاَّ بتغير أحد أوصافه ، سواء كان قليلاً أو كثيراً ، أخذاً بِحديث أبي سعيد عند أصحاب السنن وأحْمد وغيرهم في قصة بئر بضاعة .
    قال مقيده - أبو حمود - عفا الله عنه : وماء البئر مُتجدد ، ولا يقاس الماء الراكد على ماء البئر المتجدد خاصة بعد نزح النجاسة منه .
    وفرَّقَ أحْمد على الرواية المشهورة عنه بين بول الآدمي وما في معناه كعذرته المائعة ، فجعل البول يُنَجِّسُ الماء بدون فرق بين قليله وكثيره .
    ثانياً : العجب لِمبالغة الظاهرية في قولِهم : لو بال في كوز ، ثُمَّ صَبَّه في الماء لَم ينجنس ، وكان طاهراً مطهِّراً ، وهذا منتهى الجمود .
    ثالثاً : أنَّ الحالات التي اشتمل عليها النهي في الحديث هي أربع :
1.   البول في الماء الدائم الذي لا يَجري ثُمَّ يغتسل فيه .
2.   البول في الماء الدائم الذي لا يَجري ثُمَّ الاغتسال منه .
    فأفادت الأولى الظرفية ، وأفادت الثانية التبعيض .
3.   النهي عن الاغتسال في الماء الدائم الذي لا يَجري وهو جُنُبٌ .
4.   النهي عن الاغتسال من الماء الدائم الذي لا يَجري إذا بال فيه وهو جُنُبٌ .
    فأفادت الحالة الثالثة الظرفية ، وأفادت الحالة الرابعة التبعيض .
    رابعاً : جواز أخذ الأجرة على التعليم والتحديث دون الدعوة إلى الله تبارك وتعالى ، لقول النبي r : « فَلأَن يَهْدِي ﭐلله بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ ﭐلنِّعَمِ » ، ولأنَّ الدعوة جهاد في سبيل الله ، بل هي أعظم أنواع الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى ، والجهاد عبادة ولا يَجوز أخذ الأجرة على العبادة .
    هذا والله أعلم ، وبالله التوفيق ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر فتح الباري ( 1 / 590 ) .
(2) المصدر السابق .
(3) المصدر السابق .


كتبه
أبو حمود هادي محجب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode

0 التعليقات:

المقالات

   البلاغة العربية نشأتها وصلتها بعلوم الشريعة والعربية    همسة في صماخ الأستاذ علي حملي    إشباع النهم ببيان أقسام تعلق الكلم    الشيخ محمد أيوب رحمه الله سيرة وعطاء    التوحيد هو أعظم الأمور وأهمها    البيان والارتجال في الخطابة والوعظ والمقال    العلم الشرعي وأثره في حياة سلفنا الصالح    الأخوة الإيمانية عند حسام العدني    دولة فاحش والحرب على الإسلام بالوكالة وتفجيرات باريس


Flag Counter

التصفح المباشر

مواقع سلفية

   مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية