الدرس الثالث
الفصل
الثالث : رعاية جده له ثُمَّ عمه وزواجه بِخديِجة رضي الله عنها
رعاية جده له ثُمَّ عمه :
ثُمَّ عاد صلى الله عليه وسلم مع جده عبد المطلب إلى مكة ، وهو يشعر بأعماق قلبه شدة ألَم المصاب الجديد ، فرقَّ
عليه رقَّةً لَم يرقها على أحدٍ من أولاده ، فكان يعظم قدره ، ويقدمه على أولاده ، ويكرمه غاية الإكرام ، ويُجلسه على فراشه الخاص الذي لَم يكن يَجلس
عليه غيره .
ثُمَّ لَم يلبث سنتين حتى توفي عبد المطلب ، حين كان عمره صلى الله عليه وسلم ثَماني سنوات وشهرين وعشرة أيام . وقام بكفالته صلى الله عليه وسلم عمه أبو طالب شقيق أبيه ، واختصه بفضل الرحْمة والمودة ، وكان مقلاً من المال ، فبارك
الله في قليله ، حتى كان الطعام الواحد يشبع
جَميع أسرته ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مثال القناعة
والصبر ، يكتفي بِما قدَّرَ الله له .
زواجه بِخديِجة رضي الله عنها :
وكانت خديِجة بنت خويلد رضي الله عنها من
أفضل نساء قريش شرفاً ومالاً ، وكانت تعطي مالَها للتجار يتجرون فيه على أجرة ، فلما
سَمعت عن النبي صلى الله عليه وسلم عرضت
عليه مالَها ليخرج فيه إلى الشام تاجراً ، وتعطيه أفضل ما أعطت غيره .
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع غلامها ميسرة إلى الشام ، فباع وابتاع وربح رِبْحاً عظيماً ، وحصل في مالِها من
البركة ما لَم يَحصل من قبل ، ثُمَّ رجع إلى مكة ، وأدى الأمانة .
ورأت خديِجة من الأمانة والبركة ما يبهر
القلوب ، وقصَّ عليها ميسرة ما رأى في النبي صلى الله عليه وسلم من كرم الشمائل وعذوبة الخلال - يقال : وبعض الخوارق ، مثل تظليل الملكين
له في الحر - فشعرت خديِجة بنيل بغيتها فيه .
فأرسلت إليه إحدى صديقاتِها تبدي رغبتها في
الزواج به ، فرضي النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، وكلَّمَ
أعمامه فخطبوها له إلى عمها عمرو بن أسد ، فزوجها عمها بالنبي صلى الله عليه وسلم في مَحضر من بني هاشم ورؤساء قريش على صداق قدره عشرون بكرة ، وقيل ست بكرات ، وكان
الذي ألقى خطبة النكاح هو عمه أبو طالب : فحمد الله وأثنى عليه ، ثُمَّ
ذكر شرف النسب وفضل النبي صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ ذكر كلمة
العقد ، وبَيَّنَ الصداق .
وكان عمره إذ ذاك خَمساً وعشرين سنة صلى الله عليه وسلم ، أمَّا هي رضي الله عنها فالأشهر أنَّ سنها كانت أربعين سنة ، وقيل : ثَمانٍ وعشرين
سنة ، وقيل : غير ذلك . وهي أول أزواجه صلى الله عليه وسلم لَم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت ، وكل أولاده صلى الله عليه وسلم منها ، إلاَّ إبراهيم فإنَّه من
مارية القبطية .













0 التعليقات: