حديث السفينة . . .

عن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - عن النبي r ، قال : ( مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ
اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا ؛ كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ ، فَأَصَابَ
بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا ، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا ، فَكَانَ الَّذِينَ فِي
أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِن الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ ،
فَقَالُوا : لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ
فَوْقَنَا ، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا ، وَإِنْ
أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا ) رواه البخاري
.
غريب
الحديث :
القائم على حدود الله : الآمِر بالمعروف والناهي عن
المنكر .
استهموا على سفينة : اقترعوا على الأماكن فيها .
أخذوا على أيديهم : منعوهم من أن يخروقوا فيها .
المعنى
الإجمالي :
صنف النبي r الناس في
المجتمع من خلال هذا الحديث الشريف إلى ثلاثة أصناف ، أولهم : المستقيم على حدود
الله تعالى الذي لم يتجاوزها ، وهو الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر ، وثانيهم :
التارك للمعروف المرتكب للمنكر ، وثالثهم : المتباطئ عن دفع المنكر والنهي عنه .
وهذه الأصناف
الثلاث حالها كحال ركاب سفينة أخذ كل منهم مكانه عليها بالقرعة ، فكان من في
الأسفل يرغبون بالصعود إلى أعلى السفينة ليأخذوا منها الماء ، حيث إن هذا التصرف
من وجهة نظرهم يسبب ضررًا لغيرهم ؛ لذا أرادوا أن يفتحوا فتحة في نصيبهم تمكنهم من
أخذ حاجتهم من الماء دون إيذاء غيرهم ، فإن تركوهم وما أرادوا من تخريب السفينة
بالخرق ، فإنهم سيهلكون جميعًا ، سواء من سكن في الأعلى أو من سكن في الأسفل ،
وذلك لأنه بخرق السفينة تغرق هي ومن فيها .
وفي ذلك دلالة على
أن الناس إن منعوا الفاسق عن فسقه ، نجا ونجوا معه ، وإن تركوه يفعل المعصية ولم
يردعوه ، نزل بهم عذاب الله تعالى وهلكوا جميعاً ، يقول سبحانه : ]وَٱتَّقُواْ فِتۡنَةً لَا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ
ظَلَمُواْ مِنكُمۡ خَآصَّةً[ [ الأنفال : 25
] ، وهذا ما أكده النبي r حينما
سُئل : ( أنهلك وفينا الصالحون ؟ ، قال : نعم ؛ إذا كثُر الخبث ) . رواه البخاري
.
كما أن هذا الحديث
الشريف يُقرر سنة من سنن الله سبحانه وتعالى في الكون ، وأصلا من الأصول العظيمة ،
وهو تكافل أفراد الأمة وتضامنهم ، وتعاونهم في سبيل تثبيت دعائم الحق والخير
والفضائل ، والقيام على حراسة هذه الأصول والقضاء على أهل الباطل والشرور والرذائل
، وإلا فلا قيام لحق ، ولا استقرار لفضيلة ، ولا دوام لعزة وسلطان .
فقه
الحديث :
تضمن هذا الحديث
الشريف تشبيهاتٍ ثلاث :
الأول : شُبِّهَت فيه أحكام الشريعة الغراء في
حفظها لسلامة المجتمع وكفالتها لأمنه وطمأنينته بالسفينة التي تمخر عباب اليم ،
وتقطع براكبيها أجواز البحار في أمن ودعة وسلامة من المخاطر ؛ متى سددوا قيادها ،
وأحسنوا تصريفها .
فكذلك الشريعة
السمحة : يخوض القائمون على حدودها معترك الحياة ، ويجتازون مضايقها ، وهم في أمن
من الأخطار ، ومَنجاة من الزلق والعثار .
الثاني : تشبيهُ القائمين على حدود الله ، وهم
الذين يُحلُّون الحلال ويُحرِّمون الحرام ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ،
ويتولَّون قيادة الأمة وتوجيهها بمن يركبون أعلى السفينة ، وفي ذلك إشارة إلى علو
مراتبهم ، وعظيم مكانتهم ؛ كما أن الراكبين في أعلى السفينة لهم العلو الحسي
والمكان الرفيع .
الثالث : تشبيه الواقعين في الحدود والمنتهكين
لها بِـمَن أصابوا أسفل السفينة ؛ إشارة إلى انحطاطهم بهذه الفعال .
ومن روعة التمثيل ؛
تمثيل المجتمع بالسفينة العائمة في خِضَمٍّ واسع عميق عرضَة للأعاصير الهوجاء ،
والأمواج المتلاطمة المتدافعة .
وما أدق التمثيل
وأروعه !! فالمجتمع في الحقيقة عرضة للتأثر باختلاف الأهواء والأغراض ، وتباين
النزعات والاتجاهات ، واصطراع الأفكار والآراء ، وأي تفريط من أهلها يؤدي بالسفينة
إلى الغرق والغوص في متاهات الأعماق ، وكذلك المجتمع : أي خطأ في الحساب والتقدير
أو إفراط أو تفريط في التصرُّف ، قد يؤدي به إلى الهلاك والانحطاط والذل والتخلف
أحقابًا من الزمان .
هذا إلى ما في
التمثيل بالسفينة من بيان الحساسية البالغة ، وحتمية التأثر بما يجري حولها ،
وفوقها ، وفيها .
وكذلك مثّل أفراد
المجتمع برُكَّاب السفينة ، وربط حياتهم ببقائها ، وهلاكهم بهلاكها ؛ ولِـهَذا من
التأثير النفسي ما له في الحفاظ عليها ، والتضحية بكل شيء في سبيلها ، ومن ذا الذي
لا يرغب في الحياة ولا يكره الهلاك ؟! فكما أن ركاب السفينة يحرصون على سلامتها ؛
لارتباط حياتهم بحياتها وسيرها ؛ فكذلك أفراد المجتمع يجب أن يحرصوا على مجتمعهم
حرصَهم على حياتِهم .
الإدارة . . .
| روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
| URL | |
| HTML | |
| BBCode | |













0 التعليقات: