مكتبة أبي حمود العلمية

شرح كتاب الطهارة من عمدة الأحكام .. الحديث الثالث

بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ ؛ وعلى آله وصحبه أجمعين ، أمَّا بعد :
    فها نحن مع الدرس الثالث من شرح كتاب الطهارة من متن عمدة الأحكام ، وكنا في الدرس الثاني قد انتهينا من الكلام على الحديث الثاني ، واليوم مع الحديث الثالث وهو حديث عبد الله بن عمرو وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم ، فأقول مستعيناً بالله :

الحديث الثالث 

    [٣] عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وأبي هريرة ، وعائشة رضي الله عنهم ، قالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ ﭐلنَّارِ » .
    تَخريج الحديث :
    هذا الحديث أخرجه البخاري في العلم باب من رفع صوته بالعلم برقم ( ٦٠ ) ، فقال :
   حدثنا أبو النعمان عارم بن الفضل ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن يوسفَ بن ماهَكَ ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : تَخَلَّفَ عَنَّا ﭐلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا ، فَأَدْرَكَنَا وَقَد أَرْهَقَتْنَا ﭐلصَّلاَةُ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا ، فَنَادَىٰ بِأَعْلَى صَوْتِهِ : « وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ ﭐلنَّارِ » ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً .
    والمناسبة ظاهرة للحديث وهي في قوله : « بِأَعْلَى صَوْتِهِ » .
    كما أخرجه في العلم أيضاً باب من أعاد الحديث ليفهم عنه برقم ( ٩٦ ) ، فقال :
    حدثنا مُسَدَّدٌ ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن يوسفَ بن مَاهَكَ ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : تَخَلَّفَ رَسُولُ ﭐللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ سَافَرْنَاهُ فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقْنَا ﭐلصَّلاَةَ ؛ صَلاَةَ ﭐلْعَصْرِ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ : « وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ ﭐلنَّارِ » مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً .
    والمناسبة ظاهرة للباب وهي في قوله « مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً » .
    كذلك أخرجه في الوضوء باب غسل الرجلين ولا يَمسح على القدمين برقم ( ١٦٣ ) ، فقال :
    حدثنا موسى ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن يوسفَ بن مَاهَكَ ، عن عبد الله ابن عمرو ، قال : تَخَلَّفَ ﭐلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنَّا فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقْنَا ﭐلْعَصْرَ ، فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَنَادَىٰ بِأَعْلَى صَوْتِهِ : « وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ ﭐلنَّارِ » مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً .
    والمناسبة ظاهرة وهي ما أخرجه صاحب المصنَّف - رحِمه الله - هنا من أجله .
    كذلك أخرجه مسلم في الطهارة باب وجوب غسل الرجلين بكمالِها ، عن عائشة رضي الله عنها فقال :
   حدثنا هارون بن سعيدٍ الأيْلي وأبو الطاهر وأحْمد بن عيسى ، قالوا : أخبرنا عبد الله بن وهب ، عن مَخرمةَ بنِ بُكَيْرٍ ، عن أبيه ، عن سالِمٍ مولى شداد ، قال : دخلت على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم يوم توفي سعد بن أبي وقاص فدخل عبد الرحْمن بن أبي بكر فتوضأ عندها فقالت : يا عبد الرحْمن أسْبِغِ الوضوء فإني سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ ﭐلنَّارِ » .
    والمناسبة ظاهرة وهي أنَّ الأعقاب مَحلُّها الرجلين .
    كما أخرجه في الباب ذاته عن أبي هريرة رضي الله عنه فقال :
    حدثنا عبد الرحْمن بن سَلاَّم الجمحي ، حدثنا الربيع يعني ابن مسلم ، عن مُحمد وهو ابن زياد ، عن أبي هريرة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً لَم يغسل عقبيه فقال : « وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ ﭐلنَّارِ » .
    كما أخرجه عنه أيضاً فقال :
    حدثنا قتيبة وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كُرَيْبٍ ؛ قالوا : حدثنا وكيع ، عن شعبة ، عن مُحمد بن زياد ، عن أبي هريرة أنَّه رأى قوماً يتوضئون من المطهرة فقال : أسبغوا الوضوء فإني سَمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول : « وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنَ ﭐلنَّارِ » .
    كذلك أخرجه أبو داود في الطهارة بابٌ في إسباغ الوضوء برقم ( ٩٧ ) ، فقال :
    حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا يَحيَى ، عن سُفيانَ ، حدثني منصورٌ ، عن هلالِ بن يَسَافٍ ، عن أبي يَحيَى ، عن عبد الله بن عمرٍو ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قوماً وأعقابُهم تلوح ، فقال : « وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ ﭐلنَّارِ , أَسْبِغُوا ﭐلْوُضُوءَ » .
    كذلك أخرجه النسائي في الطهارة باب إيِجاب غسل الرجلين ( ١ / ٧٨ ) برقم ( ١١٠ ) فقال :
    حدثنا قتيبة قال : حدثنا يزيدُ بن زُرَيْعٍ ، عن شعبة . (ح) وأنبأنا مُؤَمَّلُ بن هِشامٍ قال : حدثنا إسْماعيل عن شعبة ، عن مُحمد بن زياد ، عن أبي هريرة قال : قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم : « وَيْلٌ لِلْعَقِبِ مِنَ ﭐلنَّارِ » .
    كما أخرجه في الباب ذاته برقم ( ١١١ ) ، فقال :
    أخبرنا مَحمودُ بن غيلانَ قال : حدثنا وكيعٌ قال : حدثنا سفيانُ . (ح) وأخبرنا عمرُو بن عليٍّ قال : حدثنا عبدُ الرحْمن قال : حدثنا سفيانُ واللفظ له عن منصورٍ ، عن هلالِ بن يَسَافٍ ، عن أبي يَحيَى ، عن عبد الله بن عمرٍو قال : رأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قوماً يتوضئون ، فرأى أعقابَهم تلوحُ فقال : « وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ ﭐلنَّارِ ، أَسْبِغُواْ ﭐلْوُضُوءَ » .
    كما أخرجه أحمد في المسند ( ١٢ / ١٨ ) برقم ( ٧١٢٢ ) ، فقال :
    حدثنا هشيم ، عن شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أنَّه مرَّ بقوم يتوضؤون ، فقال : أَسْبِغُواْ ٱلْوُضُوءَ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا ٱلْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : « وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ ٱلنَّارِ » .
    رواة الحديث :
    ١. عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل السهمي القرشي ، يكنَّى أبا مُحمد وقيل أبا عبد الرحْمن . والأشهر أبو مُحمد ، أمه ريطة بنت منبه بن الحجاج السهمية . لَم يفته أبوه في السن إلاَّ باثنتي عشرة . أسلم قبل أبيه وكان فاضلاً حافظاً عالِماً ، كثير العبادة ، قرأ الكتاب واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في أن يكتب حديثه ، فأذن له ، قال : يا رسول الله ؛ أأكتب كلَّ ما أسْمع منك في الرضا والغضب ؟ قال : « نعم ، فإنِّي لا أقول إلاَّ حقاً » .
    وقد اختلف في وقت وفاته على أقوال بين سنة ثلاثٍ وستين وخَمسٍ وستين ، ونقل عن الإمام أحْمد وفاته ليالي الحرة آخر ذي الحجة سنة ثلاثٍ وستين وهو ابن اثنتين وسبعين سنة .
    ٢. وأبو هريرة قد تقدَّمت ترجَمته.
    ٣. أمَّا أمُّ المؤمنين عائشةُ  رضي الله عنها فهي الصديقة بنت أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، تزوجها وهي بنت ست سنين وبنا بِها وهي بنت تسع سنين بعد خديِجة رضي الله عنها ، كانت ذات فضل ورجاحة عقل وذات علم كبير ، وجاء في فضلها قوله صلى الله عليه وسلم : « وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام »(١) . وكانت وفاتُها سنة ثَمانٍ وخَمسين للهجرة .
    موضوع الحديث :
    التنبيه والتأكيد على تعميم الأعضاء بالوضوء .
    المفردات :
    قوله « وَيْلٌ » : كلمة تَهديد ووعيد ، وقيل وادٍ في جهنَّم والأوَّل أشهر .
    قوله « لِلأَعْقَابِ » : الأعقاب جَمع عقب ، وهو مؤخر القدم . وأما العراقيب فهي جَمع عرقوب بضم المهملة وإسكان ما بعدها وضم المثناة وهو العصبة التي فوق العَقِب .
    المعنى الإجْمالي :
   هذا الحديث اشتمل على توعد من النبي صلى الله عليه وسلم للأعقاب المتروكة في الوضوء بالنَّار . قال البغوي رحِمه الله : « معناه ويلٌ لأصحاب الأعقاب المقصرين في غسلها في الوضوء » ا.هـ وقال النووي رحِمه الله : « أي خَيْبَةٌ لتارك العراقيب في الوضوء فلا يغسلها » ا.هـ
    فقه الحديث :
    أولاً : استدل بالحديث على وجوب غسل الرجلين ، وقد حكى النووي رحِمه الله الإجْماع عليه مِمَّن يُعتد به ، ولَم يُخالف في ذلك إلاَّ الشيعة الرافضة وهم ساقطون لا يُعتدُّ بِخلافهم .
    ثانياً : استُدِلَّ بالحديث على وجوب تعميم أعضاء الوضوء بالغسل وإسباغها بالماء كما جاء مُصَرَّحاً به في رواية عبد الله بن عمرو « أسبغوا الوضوء ، ويلٌ للأعقاب من النَّار » ، وإنَّما خصَّ الأعقاب بالذكر لأنَّها السبب .
    هذا والله أعلم ، وباله التوفيق . وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين .

كتبه فقير عفو ربه
أبو حمود هادي محجب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة باب فضل عائشة برقم ( ٣٧٦٩ ) .
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode

0 التعليقات:

المقالات

   البلاغة العربية نشأتها وصلتها بعلوم الشريعة والعربية    همسة في صماخ الأستاذ علي حملي    إشباع النهم ببيان أقسام تعلق الكلم    الشيخ محمد أيوب رحمه الله سيرة وعطاء    التوحيد هو أعظم الأمور وأهمها    البيان والارتجال في الخطابة والوعظ والمقال    العلم الشرعي وأثره في حياة سلفنا الصالح    الأخوة الإيمانية عند حسام العدني    دولة فاحش والحرب على الإسلام بالوكالة وتفجيرات باريس


Flag Counter

التصفح المباشر

مواقع سلفية

   مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية