مكتبة أبي حمود العلمية

شرح متن شروط الصلاة وأركانها .. الدرس الأول


بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
    فها نحن مع الدرس الأول من شرح متن ( شروط الصلاة وأركانها وواجباتها ) لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله . نسأل الله التوفيق والسداد والإخلاص .

الدرس الأول

    قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : [ شروط الصلاة تسعة ] .
    قد يعترض بعض الناس - الذين قلَّ علمهم - على الفقهاء في كونِهم يقولون : شروطاً ، وأركاناً ، وواجبات ، وسنناً ، وفروضاً ، ومفسدات ، وموانع ، وما أشبه ذلك ، ويقولون : أين الدليل من الكتاب والسنة على هذه التسْمية ، هل قال الرسول صلى الله عليه وسلم إنَّ شروط الصلاة كذا ، وأركانَها كذا ، وواجباتِها كذا ، فإن قلتم نعم ؛ فأين الدليل ؟ ، وإن قلتم : لا ؛ فلماذا تُحدثون ما لَم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ؟! .
    والجواب : أنَّ مثل هذا القول دليل على قلة فهم قائله ، وأنَّه لا يُفَرِّقُ بين الغاية والوسيلة ، فالفقهاء لَمَّا ذكروا الشروط والأركان والواجبات ؛ لَم يأتوا بشيء زائد على الشرع ، غاية ما هنالك أنَّهم صنَّفُوا ما دلَّ عليه الشرع ؛ ليكون ذلك أقرب إلى حصر العلوم وجَمعها ، وبالتالي إلى فهمها .
    فالفقهاء صنعوا ذلك لا زيادة على شريعة الله تبارك وتعالى ، وإنَّما تقريباً للشريعة ، وتقريباً للعلم ، والوسائل لَها أحكام المقاصد ، كما أنَّ المسلمين لا زالوا إلى الآن يبنون المساجد والمدارس ، ويؤلِّفون الكتب وينسخونَها ، وفي الأزمنة المتأخرة صاروا يطبعونَها في المطابع ، فقد يقول قائل أيضاً : لِماذا تطبعون الكتب في المطابع وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الناس يكتبون بأيديهم ، فلماذا تفعلون شيئاً مُحدثاً ؟! .
    فنقول : هذه وسائل يسَّرَها الله تبارك وتعالى للعباد ؛ لتقَرِّبَ إليهم الأمور ، ولَم يَزِد الفقهاء في شريعة الله تبارك تعالى شيئاً ، بل بَوَّبُوها ورَتَّبوها ، وهذا صَنِيعٌ يُشْكَرونَ عليه .
    أمَّا الشرط لغة : فمعناه العلامة ، واصطلاحاً ما لا يوجد المشروط له مع عدمه ولا يلزم أن يوجد عند وجوده ، أو بعبارة أخرى هو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجودٌ ولا عدم ، ولكي نفهم هذا التعريف نضرب الصلاة مثلاً فإنَّ من شروطها الطهارة ؛ فإذا انعدمت الطهارة فإنَّ الصلاة تنعدم لانعدام الشرط ؛ ولكن لا يلزم المسلم إذا تطهر أن يقيم الصلاة إلاَّ على وقتها ؛ ففي الحالة الثانية وُجِدَ الشرط ولكن لَم يلزم بوجوده وجود المشروط له .
    وقد علم الفقهاء أنَّ شروط الصلاة تسعة بالتتبع والاستقراء ، أي أنَّهم تتبعوا الأدلة من الآيات والأحاديث ؛ فما وجدوه لا تتمُّ الصلاة إلاَّ به جعلوه شرطاً من شروط الصلاة ، حتى اكتملت لديهم تسعة شروط .
      ثم قال رحمه الله : [ الشرط الأول : الإسلام وضده الكفر ، والكافر عمله مردود ولو عمل أيَّ عمل ] .
    الشرط الأول : الإسلام ومعناه لغة الاستسلام ، وهو ضد الكفر ، ومعناه الاستسلام لله والانقياد له والخضوع له بالطاعة والخلوص من الشرك والبراءة من أهله . فالإسلام هو دين الله الخاتِمُ للأديان السماوية التي كانت قبله ، وهو الدين الحق الذي بعثَ الله تبارك وتعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم فختم به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، والذي لن يقبل من أحدٍ من المكلَّفين غيره ؛ لقوله عز وجل : ]إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ[ (آل عمران:19) ، وقال تعالى : ]وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينًا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٨٥[ ( آل عمران : 85 ) .
    قوله : [ وضده الكفر ، والكافر عمله مردود ولو عمل أيَّ عمل ] : أي ضد الإسلام الكفر ، فالكافر عمله مردود ولو عمل أيَّ عمل ؛ أي ولو كان صَلَّى مثلاً ، ما دام أنَّه لَم يشهد أن لا إلـٰه إلاَّ الله وأنَّ مُحمداً رسول الله ؛ فعمله مردود عليه وليس له منه إلاَّ تعبه ، فالصلاة لا تصحُّ من الكافر ، سواء أكان كافراً كفراً أصلياً أم مرتداً ، فهؤلاء لا تصحُّ الصلاة منهما ، والدليل قوله تعالى : ]وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنهُمۡ نَفَقَٰتُهُمۡ إِلَّآ أَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ[ ( التوبة : 54 ) ، مع أنَّ النفقات نفعها متعدٍّ إلى غير المنفق ، فإذا كانت هذه النفقات لا تُقبل ؛ فالتي يكون نفعها مقتصرٌ غير متعدٍّ من باب أولى ألاَّ تُقْبَل .
    ولأنَّ الكافر ليس من أهل العبادة حتى يُسلم ؛ لِحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه لَمَّا بعثه رسول الله r إلى اليمن فقال : «فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهم إليه شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَـٰـه وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ الله َٱفْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي ٱلْيَوْمِ وَٱللَّيْلَةِ»(1) ، فإذا صلَّى الكافر عندئذٍ يكون مسلماً حُكماً أي في الظاهر حتى وإن لَم يَنْوِ الإسلام بفعله ، ولكنه لا يكون مسلماً حقيقة ، كالمنافقين مثلاً ، أو الجواسيس الذين يندسون في صفوف المسلمين ومُجتمعاتِهم .
    فإذا حُكِمَ بإسلامه طُولِبَ ببقية أركان الدين الإسلامي ، وكذلك فإنَّه يُورَثُ من أقاربه المسلمين وهو يَرِثُهم كذلك ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم «لاَ يَرِثُ ٱلْمُسْلِمُ ٱلْكَافِرَ, وَلاَ ٱلْكَافِرُ ٱلْمُسْلِمَ»(2) .
    فإن ثَبَتَ على أنَّه صلاَّها استهزاءاً فيعتبرُ مرتدّاً ، وهناك فرقٌ بين كونه مُرتدّاً وبين كونه كافراً كفراً أصلياً ؛ وذلك أن الكفر ردةً لا يُقَرُّ عليه صاحبه بل يُطالب بالتوبة والرجوع إلى الإسلام بالاستتابة ثلاثة أيَّام بلياليها فإن أبىٰ قُتِلَ مرتداً لقوله صلى الله عليه وسلم : «لاَ يَحِلُّ دَمُ ٱمْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱلله ُوَأَنِّي رَسُولُ ٱللهِ إِلاَّ بِإِحْدَىٰ ثَلاَثٍ ؛ ٱلثَّيِّبُ ٱلزَّانِي ، وَٱلنَّفْسُ بٱلنَّفْسِ ، وَٱلتَّارِكُ لِدِينِهِ ٱلْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ»(3) .
    أمَّا صاحب الكفر الأصلي وإن كان لا يُقَرُّ عليه أيضاً فلا يُشَدَّدُ عليه لأنَّه غير مُطالبٍ بِها حال كفره ابتداء ، وإن كان مسؤولاً عنها في الآخرة لقوله تعالى : ]إِلَّآ أَصۡحَٰبَ ٱلۡيَمِينِ 39 فِي جَنَّٰتٍ يَتَسَٰئَلُونَ 40 عَنِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ 41 مَا سَلَكَكُمۡ فِي سَقَرَ 42 قَالُواْ لَمۡ نَكُ مِنَ ٱلۡمُصَلِّينَ 43[ ( المدثر : 39 , 43 ) ، ولكنه في الدنيا لا يطالب بها حتى يدخل في الإسلام ، فلا تصح ولا تقبل الصلاة إلا من مسلم .
    قال رحمه الله : [ والدليل قوله تعالى: ]مَا كَانَ لِلۡمُشۡرِكِينَ أَن يَعۡمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ شَٰهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمۡ بِٱلۡكُفۡرِ[ ( التوبة : 17 ) ، إلخ الآية .
    وقوله تعالى : ]وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِن عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُورًا 23[ ( الفرقان : 23 ) .
    استدلَّ المؤلف رحِمه بِهذه الآية على عدم صحة الصلاة من الكافر ؛ وعلى حبوط عمله ؛ وهذا يدلُّ على غزارة فقه الإمام المجدد مُحمد بن عبد الوهاب رحِمه الله تعالى وقوة استدلاله بالآيات القرآنية وصحيح الأحاديث النبوية ؛ ولا يكون هذا إلاَّ للمجدِّدين بِحق . فالآية تدلُّ دلالة واضحة على أنَّه ما ينبغي للمشركين وهم أهل كفرٍ بالله تبارك وتعالى أن يعمروا مساجد الله تبارك وتعالى حال كونِهم شاهدين على أنفسهم بالكفر .
وعمارة المساجد على ضربين :
    1. عمارة حسيَّة ؛ ببنائها وتشييدها وفرشها وتطهيرها وتطييبها والعناية بشؤونِها .
    2. عمارة معنوية ؛ برفع النداء بِها للصلوات الخمس وإقامة الصلوات بِها جُمعة وجَماعة مع المسلمين ؛ وقراءة القرآن وذكر الله تعالى بِها .
    فما يكون للمشركين أن يعمروا مساجد الله تعالى لا عمارة حسية ولا معنوية وهم فاقدون للأصل الذي يكون بِموجبه قبول العمل ، فما دام أنَّهم فاقدون لِهذا الأصل فأعمالُهم لا فائدة لَهم من ورائها سوى التعب ، لأنَّ ]أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي ٱلنَّارِ هُمْ خَالِدُونَ[ .
    ثُمَّ بَيَّنَ سبحانه وتعالى من هم العُمَّار حقّاً لِمَساجِدِ الله تعالى ؛ فقال تعالى : ]إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَن ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوۡمِ ٱلأَخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَىٰ ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَ[ ( التوبة : 18 ) ؛ افتتح الله تعالى الآية بأسلوب الحصر والقصر ؛ وهذا يدلُّنا دلالة صريِحة قاطعة على أنَّ عمارة مساجد الله تعالى بنَوْعَيْهَا منحصرةٌ تَماماً فيمن اتصف بِهذه الصفات الطيبة التي لا تكون إلاَّ لعباد الله المؤمنين الذين أقروا بألسنتهم وصَدَّقَتْ قلوبُهم وأتبَعُوا العمل بِجوارحهم ، لا بِمجرَّد الدَّعاوَى باللسان مع التجَرُّدِ من العمل .
    فهؤلاء الذين آمنوا بالله تعالى وباليوم الآخر وأتوا بالأعمال الصالِحة وعلى رأسها الصلاة والزكاة وخَشيَةُ الله تعالى - الخشية الكاملة اللائقة لِجلال وجه الله تعالى- التي هي مفتاح كلِّ خير ومغلاق كلِّ شر ؛ فهؤلاء هم الأحقُّ والأجدر بعمارة مساجد الله تعالى ؛ ]وَكَانُوٓاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَا[ ( الفتح : 26 ) .
    ثُمَّ قال تعالى : ]فَعَسَىٰ أُوْلَٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهۡتَدِينَ[ ( التوبة : 18 ) ؛ وعسى تفيد الترجي ؛ لكنَّها هنا من الله تبارك وتعالى واجبة منه تبارك وتعالى على نفسه ولَم يفرضها عليه أحدٌ من خلقه ، بل هو فضلٌ وكرمٌ منه تبارك وتعالى مَنَّ به على عباده المؤمنين بِموجب وعده الكريِم ]وَمَن أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِ مِنَ ٱللَّهِ[ ( التوبة : 111 ) . أي فأولئك ضمينٌ على أن يكونوا من المهتدين الذين هم أهل الفوز والسعادة والنجاح في الدنيا والآخرة .
    قال رحِمه الله : [ وقوله تعالى : ]وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِن عَمَلٍ فَجَعَلۡنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً 23[ ( الفرقان : 23 ) ] .
    وهذه الآية يؤيِّد معناها معنى الآية التي قبلها ، حيث أنَّ الله تبارك وتعالى يَجعل أعمال الكافرين على اختلاف مللهم ونِحَلِهم يوم القيامة هباء منثوراً ، والهباء كما في اللسان هو «التراب الذي تُطَيِّرُهُ الريح فتراه على وجوه النَّاس وجلودهم وثيابِهم يَلْزَقُ لُزوقاً»(4) .
    وجاء عن علي رضي الله عنه والحسن البصري أنَّه شعاع الشمس إذا دخل الكوة(5) .
    وذلك لأنَّهم بنوا أعمالَهم في الدنيا على غير إيِمان وهو أساس قَبُول الأعمال عند الله تبارك وتعالى ، فشبه الله تبارك وتعالى أعمال الكافرين يوم القيامة بالهباء المنثور الذي لا فائدة منه . وفي الآية إثبات صفة القدوم لله تبارك وتعالى .
    قوله رحِمه الله : [ الشرط الثاني : العقل وضده الجنون ] : العقل لغة يأتي على عدة معاني ؛ فمنها الثني ؛ كقولك : ( عَقَلَ فلانٌ البعير ) أي ثنى وظيفه مع ذراعه فشَدَّهُما في وسط الذراع ، ومنها الْمَسْكُ ؛ كقولك : ( عَقَلَ الدواء بطن فلانٍ ) أي أمسكه ، ومنها الربط والحبس ؛ كقولك ( عَقَلَ العَدُوُّ فلاناً ) أي اعتقله بِمعنى حبسه ، ومنها الدية ؛ كقولك ( عَقَلَ القاتلُ القتيلَ ) أي أدَّى ديته ؛ ومنه سُمِّيَت عصبة القاتل في الخطأ بالعاقلة لأنَّ الدية عليهم ، ومنها اللجوء ؛ ومنه سُمِّيَ الْمَعْقِلُ أي الملجأ .
    واصطلاحاً نعمة امتنَّ بِها الله تعالى على المكلَّفِين من خلقه يدركون من خلالِها الأمور ، وعليه مناط التكليف ، فالْمجنون غير مكلَّفٍ بالصلاة ولا مُطالبٍ بِها ، لأنَّه فاقدٌ لِمَناطِ التكليف وهو العقل .
    قوله : [ والمجنون مرفوع عنه القلم حتى يفيق ... إلخ ] : أي مرفوع عنه قلم التكليف الذي يَجري على العاقل ، لأنَّ المجنون فاقدٌ لِمناط التكليف الذي هو العقل ، وقد استدلَّ المصنِّفُ رحِمه الله تبارك وتعالى بِحديث : «رُفِعَ ٱلْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ ؛ ٱلنَّائِمُ حَتَّىٰ يَسْتَيْقِظُ ، وَٱلْمَجْنُونُ حَتَّىٰ يَفِيقُ ، وَٱلصَّغيِرُ حَتَّىٰ يَبْلُغُ»(6) .
    هذا الحديث أخرجه أبو داود في سننه ، والترمذي في سننه ، وأحْمد في مسنده ، والنسائي في الصغرى ورجَّح الموقوف ؛ كما نقله الحافظ في الفتح ، والحديث صحيح ، وفيه دلالة على أنَّ المجنون غير مآخذٍ إذا صدرت منه الخطيئة ، أو ترك الفرض الواجب . وقال البخاري رحِمه الله : «وَقَالَ عَلِيٌّ لِعُمَرَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يُدْرِكَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» ا.هـ ، وهذا الأثر قاله عليٌ رضي الله عنه حينما أمر عمرُ رضي الله عنه برجم المرأة المبتلاة حينما زنى بِها أحدهم فردها علي وقال هذا القول لعمر .
    قوله : [ الشرط الثالث : التمييز وضده الصغر ] : التمييز هو إدراك المكلَّف لِمصالِح نفسه ، وضده الصغر والسفه ، ولأنَّ السفه هو جهل الإنسان بِمصالِح نفسه ، وسعيه فيما يضرها .
    وقد قال الله تبارك وتعالى : ]وَلاَ تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ قِيَٰمًا[ ( النساء : 5 ) ، والسفيه هو الذي لا يُحسن التصرف ، والصغير الذي لم يبلغ التمييز لا يحسن التصرف .
    قوله رحِمه الله : [ وحده سبع سنين ثُمَّ يؤمر بالصلاة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : «مُرُواْ أَبْنَاءَكُمْ بِٱلصَّلاَةِ لِسَبْعٍ وَٱضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ وَفَرِّقُواْ بَيْنَهُمْ فِي ٱلْمَضَاجِعِ» ] :
    هذا على الغالب أنَّ بداية التمييز تكون عند سنِّ السابعة ، أنَّه يبدأ الصبي بالتلقِّي والتمييز بين ما ينفع ويضر ، ويبدأ معه إدراكه للأمور .
    وقوله صلى الله عليه وسلم : «مُرُواْ أَبْنَاءَكُمْ بِٱلصَّلاَةِ لِسَبْعٍ وَٱضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ وَفَرِّقُواْ بَيْنَهُمْ فِي ٱلْمَضَاجِعِ» ؛ والأمر يقتضي الإيِجاب ، ومن لوازم الأمر بالصلاة تعليهم لأبنائهم كيفية وصفة الصلاة على وجهها الصحيح الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بناءً على قوله صلى الله عليه وسلم : «صَلُّواْ كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ، ومعنى هذا أن يَهْتمَّ الآباء بأمر من بلغَ السابعة من أبنائهم ؛ وذلك بتعليمه الصلاة بشروطها وأركانِها ووجباتِها وسننها ونواقضها ، ويَحثَّه على أدائها جمعة وجماعة مع المسلمين .
    وهذا متعلِّقٌ بذمة الآباء ؛ فهي أمانة حَمَّلهم الله تبارك وتعالى إياها ، فمن قصَّرَ في هذا الجانب قصَّرَ في أداء الأمانة التي حَمَّله الله ، و ]كُلُّ نَفۡسِۢ بِمَا كَسَبَتۡ رَهِينَةٌ[ ( المدثر : 38 ) .
    إلى هنا نكون قد انتهينا من الدرس الأول من شرح متن شروط الصلاة وأركانها وواجباتها .
    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

كتبه فقير عفو ربه
أبو حمود هادي محجب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري بأرقام ( 1458 ، 1496 ، 2448 ، 4347 ، 7371 ) , ومسلم برقم ( 19 ) ، وأبو داود برقم (1584) ، والترمذي برقم ( 625 ) ، والنسائي في الكبرى ( 5 / 55 ) .
(2) أخرجه البخاري في الحج باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها برقم ( 1588 ) وفي الجهاد باب إذا أسلم قوم في دار الحرب ولَهم مال وأرضون فهي لَهم برقم ( 3058 ) وفي المغازي باب أين ركز النبي r الراية يوم الفتح ؟ برقم ( 4282 ) وفي الفرائض باب لا يرثُ المسلمُ الكافر ولاَ الكافرُ المسلمَ برقم ( 6724 ) ، ومسلم في الحج باب النزول بِمكة للحاج برقم ( 1351 ) ، وابن ماجة في الفرائض باب ميراث أهل الإسلام من أهل الشرك برقم ( 2730 ) .
(3) أخرجه البخاري في الديات باب قول الله تعالى ( أنَّ النفسَ بالنَّفسِ ) برقم ( 6878 ) ، ومسلم في القسامة باب ما يباح به دم المسلم برقم ( 1676 ) ، وأبو داود في الحدود باب الحكم فيمن ارتدَّ برقم ( 4352 ) ، والترمذي في الديات باب ما جاء لا يَحل دم امرئٍ مسلم إلاَّ بإحدى ثلاث برقم ( 1402 ) ، والنسائي في تَحريِم الدم باب ذكر ما يَحل به دم المسلم ( 7 / 90 , 91 ) ، ومُختصراً في القسامة باب القود ( 8 / 13 ) .
(4) انظر لسان العرب لابن منظور .
(5) تفسير ابن كثير .
(6) أخرجه أبو داود برقم ( 495 , 496 ) ، وصححه الألباني - رحِمه الله - في الإرواء برقم ( 247 ) .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ




روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode

0 التعليقات:

المقالات

   البلاغة العربية نشأتها وصلتها بعلوم الشريعة والعربية    همسة في صماخ الأستاذ علي حملي    إشباع النهم ببيان أقسام تعلق الكلم    الشيخ محمد أيوب رحمه الله سيرة وعطاء    التوحيد هو أعظم الأمور وأهمها    البيان والارتجال في الخطابة والوعظ والمقال    العلم الشرعي وأثره في حياة سلفنا الصالح    الأخوة الإيمانية عند حسام العدني    دولة فاحش والحرب على الإسلام بالوكالة وتفجيرات باريس


Flag Counter

التصفح المباشر

مواقع سلفية

   مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية