مكتبة أبي حمود العلمية

شيخ الإسلام ابن تيمية المفترى عليه ..

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله ؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
    فأسوق لكم أيها الإخوة قصتان عجيبتان فيهما من العبر والفوائد الشيء الكثير لعل الله أن ينفعني بهما ومن قرأهما ، فهذه الدنيا لا تخلو من تنوع الناس في أهوائهم وأفكارهم ومفاهيمهم واختلاف مشاربهم وقلوبهم ، فمنهم من يريد الحق ومنهم من يتعسر عليه ومنهم تأخذه العزة بالإثم ومنهم من يصعب عليه قبول الحق ومنهم من يبغض الحق وأهله إذا تعارض مع هواه .
    وكذلك منهم من ابتلي بالغلو ومنهم من ابتلي بالتعصب ، نسأل الله تبارك وتعالى السلامة والعفو والعافية .
    مدار هاتين القصتين على رجل واحد قلَّ أن تجد له مثيلاً في عظماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
    من منا لا يعرف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ؟! . كل خليقة الله من المسلمين ممن عاصروه ومن بعدهم على اختلافهم بين متابع ومخالف يعرف من هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . هذا العالم الذي أدهشني علمه وصبره وثباته على الحق ، حتى بت أرى أن ما ذكر عنه من وصف في العلم بالبحر لا يخطئ أبدا .
    إلا أنه بقي المعنى اللغوي للوحي ثابت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . كيف لا وقد أوحى الله إلى أم موسى وأوحى إلى مريم وأوحى إلى النحل بمعنى ألهمهم . وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ممن ألهمه الله الإدراك والمعرفة منذ صغره ، فقد أسلم على يده يهودي كان يعترض طريقه كل يوم وهو في طريقه إلى الكتاب في صغره ، ليلقي عليه الشبهة تلو الأخرى ؛ فكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرد على شبه ذلك اليهودي بما يبطلها ، ومع تكرار ذلك يومياً أسلم ذلك اليهودي .
    شيخ الإسلام رحمه الله ذاع صيته في حياته مع انتشار رسائله ومؤلفاته وفتاواه التي حملتها الركبان إلى الآفاق ، حتى ضربت له أكباد الإبل من أقطار الإسلام كافة . وصار طلاب العلم يحرصون على الالتقاء به كلما نزل قطراً من أقطار الأرض .
    وفي ذات مرة سافر شيخ الإسلام إلى مصر ونزل عند أبي حيان الأندلسي عالم النحو والمفسر المعروف قبل انحرافه عن الحق ، وكان أبو حيان يمدح شيخ الإسلام ويذكر محاسنه وجهاده في الدفاع عن السنة ، حتى أنه كتب فيه قصيدة يمدحه ويثني عليه وعلى دفاعه عن السنة والعقيدة السلفية ، فقال :
لما رأينا تقي الدين لاح لنا ... داعٍ إلى اللَّه فرداً. ماله وزرُ
على محياه من سيما الأولى صحبوا ... خير البرية نورٌ دونه القمرُ
حَبْر تسربل منه دهره حِبَراً ... بحر تقاذفُ من أمواجه الدررُ
قام ابن تيمية في نصر شرعتنا ... مقام سيد تَيْمٍ إذْ عَصَتْ مُضرُ
فأظهر الدين إذْ آثاره دَرَسَت ... وأخمد الشرك إذ طارت له شررُ
كنا نُحدَّثُ عن حبر يجيء فها ... أنت الإمام الذي قد كان ينتظرُ
    فلما التقيا تذاكرا في مسألة في النحو ؛ اختلفا فيها ، فاستشهد أبو حيان بقول سيبويه في كتابه ، فرد عليه شيخ الإسلام بقوله : وهل سيبويه نبي النحو ؟! ، وبين شيخ الإسلام رحمه الله – لأبي حيان أنَّ سيبويه قد غلط في ثمانين موضعا في كتابه لا تعلمها أنت ولا سيبويه .
    فماذا وقع بعد هذه المناظرة بينهما ؟! .
    قام أبو حيان من فوره وقد أخذته العزة بالإثم ، ناقماً على شيخ الإسلام معاديا له هاجياً إياه ، نسأل الله العافية والسلامة ، ثأراً لنفسه كيف يخطئه ابن تيمية وهو إمام في النحو .
    فذمه بقصيدة وهجاه .
    والقصة الثانية طرف كذلك فيها ابن تيمية وأما الطرف الثاني فهو معاصر أراد الحق فوفقه الله إليه ، وهو الشيخ محمد بن خليل هراس رحمه الله وغفر له .
    حيث أنه كان قد عزم على دراسة كتب شيخ الإسلام للرد على عليه بتأييد ومباركة من مشايخه في الأزهر آنذاك كما هي عادة الأزهريين في المنطق وعلم الكلام .
    وبعد هذه المدة خرج برسالة دكتوراة يدافع فيها عن الحق الذي وجده في كتب شيخ الإسلام رحمه الله وبين أنه ما عرف عقيدة السلف الصالح رضوان الله عليهم كما هي صحيحة إلا بعد أن قرأ كتب شيخ الإسلام رحمه الله .
    ولازلنا إلى اليوم ونحن نرى أنهار حسنات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما بين مستفيد من علومه ، وبين شاتم له وحاقد عليه .
    فما أعظمها من نعمة حين يريد الله بعبد من عباده المسلمين أن يبتلى في دينه وعقيدته فيصبر ويحتسب ، وتكون له العاقبة في الدارين ، حتى بعد مماته رحمه الله ، وأجره لا زال يجري حتى على لسان شانئيه ، ومن يكذب عليه حتى بعد مماته ، ومن أولئك الذين كذبوا عليه وافتروا ابن بطوطة عليه من الله ما يستحق . وكذلك حسن السقاف عجل الله بانتقامه منه وجعله عبرة لكل من تطاول على عباد الله الصالحين وعلى أولياءه .
    الذي صرح بتكفير شيخ الإسلام ابن تيمية ، وما هذا إلا امتداد لأسلافه الصوفية ، الذين تجرعوا علقم مناظراتهم لشيخ الإسلام رحمه الله ، فكادوا له عند سلاطين لم يكونوا على كفاية بمعرفة الحق في عقيدة السلف ، فسجن رحمه الله ، وبعد موته في سجنه أظهر الله علمه وأحياه من جديد على يد المجددين من علماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم السلفيين ، فأحيوا ما اندرس من علم شيخ الإسلام رحمه الله الذي بقي متفرقا في الأمصار وهيأ الله له من يجمعه ويبثه في الخلق من جديد حتى بلغ ملايين البشر من المسلمين ، فهبت رياح المكفرين لشيخ الإسلام ابن تيمية من جديد لمعرفتهم بأن صاحب هذه العلوم والمؤلفات كان يوماً من الأيام السبب في فضحهم وبيان قبح عقائدهم لما فيها من ضلالات وانحرافات شتى .
    وأخيرا ؛ تذكر أيها المسلم أن صولة الباطل إلى زوال وإن طال أمدها ، وأنَّ الله ناصر دينه ومعلٍ كلمته على يد أوليائه .
    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

كتبه / أبو حمود هادي محجب

١ / ٩ / ١٤٣٦هـ


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode

0 التعليقات:

المقالات

   البلاغة العربية نشأتها وصلتها بعلوم الشريعة والعربية    همسة في صماخ الأستاذ علي حملي    إشباع النهم ببيان أقسام تعلق الكلم    الشيخ محمد أيوب رحمه الله سيرة وعطاء    التوحيد هو أعظم الأمور وأهمها    البيان والارتجال في الخطابة والوعظ والمقال    العلم الشرعي وأثره في حياة سلفنا الصالح    الأخوة الإيمانية عند حسام العدني    دولة فاحش والحرب على الإسلام بالوكالة وتفجيرات باريس


Flag Counter

التصفح المباشر

مواقع سلفية

   مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية