مكتبة أبي حمود العلمية

قواعد في معرفة الكفر وأنواعه

بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله ؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضِلَّ له ، ومن يضلِل فلا هاديَ له ، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّمَ تسليماً كثيراً .
    ⦕ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ (١٠٢)(١) ، ⦕ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَآءًۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبًا ١ ⦖(٢) ، ⦕ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا (٧١)(٣) ، أمَّا بعد :
    فإنَّ أصدقَ الحديث كتاب الله ، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمور محدثاتها ، وكلَّ محدثةٍ بدعة ، وكلَّ بدعةٍ ضلالة ، وكلَّ ضلالةٍ في النَّار .

    ثُمَّ هاك أيها القارئ الكريم ذكر قواعد لأهل السنة والجماعة في معرفة الكفر وأنواعه ، والتي ذكرها علماء أهل السنة والجماعة ومحققوهم في بيان قواعد الكفر ، وقواعد معرفة أنواعه .

    وهذه القاعدة في أصلها جنسٌ تشمل عدة قواعد وضوابط لابُدَّ من معرفتها ، قبل ذكر أنواع الكفر القلبي والقولي والعملي . لأنَّه يترتَّبُ على فهم هذه القواعد والضوابط فهم موضوع الكفر والتكفير عند أهل السُّنَّة والجماعة ، بل ينبني عليها اضطراد قواعدهم وأصولهم في باب الكفر ، وعدم اضطرابها واختلافها . وهذه القواعد والضوابط هي كما يلي :

    القاعدة الأولى : وهي أساس هذه القواعد والضوابط ، وهي كون الكفر حكم شرعي محض ، مرده إلى الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة الصحيحة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم .

    وليس الحكم بالكفر مبنيٌّ على الهوى أو سوء الظنِّ أو الفهم الفاسد . فمن كفرهم الله تبارك وتعالى ، أو كفرهم رسوله صلى الله عليه وسلم جنساً أو عيناً أو وصفاً وَجَبَ وتَعَيَّنَ تكفيرهم . ومن لم يكفرهم الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم لا جنساً ولا عيناً ولا وصفاً فليس لأحد ابتداء تكفيرهم دون أن يعتمد على مستند شرعي صحيح صريح .

    فممن كفرهم الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في الوحيين على سبيل التعيين ؛ إبليس ، وفرعون ، وفرعون هذه الأمة أبو جهل ، وأمثالهم .

    وممن كُفِّرَ في الوحيين على سبيل الجنس ؛ المشركون ، واليهود ، والنصارى ، والمجوس ، والصابئة ، وأمثالهم . فهؤلاء يُكَفَّرونَ ولا كرامة ، لأنَّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كفَّروهم في أجناسهم .

    وممن كُفِّرَ في النصوص الشرعية وصفاً ؛ من يستهزئ بالله تبارك وتعالى ، أو بآياته ، أو برسوله صلى الله عليه وسلم ، أو من حَكَّمَ غير ما أنزل الله تبارك وتعالى ، مع تفصيل في هذا سنأتي عليه إن شاء الله تبارك وتعالى . أو الساحر ، وكذا الكاهن ، وكذا من ادعى علمَ الغيب ، وأمثال هؤلاء .

    إذا علمنا هذه القاعدة وفهمناها فهماً جيداً ، وأدركناها إدراكاً محققاً ؛ ينحل كثيرٌ من الشبه الواردة في هذا الباب .

    إذن ؛ الكفر الشرعي خلاصته أنَّه حكم شرعي بحت ، فمن كفرهم الله تبارك وتعالى جنساً نكفرهم ، ومن كفرهم الله تبارك وتعالى أو كفرهم رسوله - صلى الله عليه وسلم - عيناً ؛ نكفرهم بأعيانهم ولا كرامة ، ومن كفرهم الله تبارك وتعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وصفاً ؛ يُكَفَّرون بهذا الوصف ؛ وهذا مهمة العلماء الربانيين في تَحَقُّقُ هذا الوصف على من ينطبق عليه .

    ولأجل هذا قرر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في نواقض الإسلام في الناقض الثالث ؛ أنَّ من لم يُكَفِّر المشركين أو شكَّ في كفرهم أو صحَّحَ مذهبهم فقد كفر .

    لماذا ؟! .

    لأنَّه اعترضَ على تكفير الله - تبارك وتعالى - ؛ وتكفير رسوله - صلى الله عليه وسلم - لهؤلاء المُكَفَّرينَ جنساً .

القاعدة الثانية : أنَّ الكفر له شعبٌ كما أنَّ الإيمان له شعب .

    فكما أنَّ الإيمان له شُعَبٌ كثيرة كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال : [ الإيمانُ بِضعٌ وسبعون شعبة ] ، وفي لفظ : [ الإيمانُ بِضعٌ وستون شعبة ، أعلاها قول [ لا إله إلا الله ] وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من شعب الإيمان ](٤) ، كذلك الكفر له شعبٌ وأنواعٌ كثيرة ، ضابطها ما سُمِّيَ في الوحيين المطهرين - كتابُ الله تبارك وتعالى ، وصحيح سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - كفراً ، دون تسمية غيرهما .

    وفي هذا يقرر ابن قيم الجوزية - رحمه الله - في كتابه [ كتاب الصلاة ] في فصل مهم في هذه المسألة قال فيه :

    [ فصلٌ في الحكم بين الفريقين وفصل الخطاب بين الطائفتين : معرفة الصواب في هذه المسألة مَبنِيٌّ على معرفة حقيقة الإيمان والكفر ، ثمَّ يصح النفي والاثبات بعد ذلك ، فالكفرُ والإيمانُ متقابلان ، إذا زال أحدهما خلفه الآخر .
    ولمَّا كان الإيمانُ أصلاً له شعبٌ متعددة ، وكلُّ شعبةٍ منها تُسَمَّى إيماناً ، فالصلاة من الإيمان ، وكذلك الزكاة ، والحج ، والصيام ، والأعمال الباطنة ، كالحياء ، والتوكلِ ، والخشية من الله ، والإنابة إليه ، حتى تنتهي هذه الشعب إلى إماطة الأذى عن الطريق ، فإنَّه شعبة من شعب الإيمان .
    وهذه الشعبُ منها ما يزول الإيمان بزوالها ، كشعبة الشهادة ، ومنها ما لا يزول بزوالها ، كترك إماطة الأذى عن الطريق ، وبينهما شعبٌ متفاوتة تفاوتاً عظيماً ، منها ما يلحق شعبة الشهادة ، ويكون إليها أقرب ، ومنها ما يلحق شعبة إماطة الأذى ، ويكون إليها أقرب .
    وكذلك الكفر ذو أصلٍ وشعبٍ ، فكما أنَّ شعبَ الإيمانِ إيمانٌ ، فشعبُ الكفرِ كفرٌ ، فالحياء شعبةٌ من شعبِ الإيمان ، وقلة الحياء شعبةٌ من شعبِ الكفر ، والصدقُ شعبةٌ من شعب الإيمان ، والكذبُ شعبةٌ من شعبِ الكفرِ ، والصلاةُ والزَّكاةُ والحجُّ والصِّيامُ من شعبِ الإيمانِ ، وتركها من شعبِ الكفرِ ، والحكم بما أنزل الله من شعب الإيمانِ ، والحكم بغير ما أنزل الله من شعبِ الكفرِ ، والمعاصي كلُّها من شعبِ الكفرِ ، كما أنَّ الطاعات كلَّها من شعب الإيمان .
    وشعب الإيمان قسمان : قولية وفعلية ، وكذلك شعب الكفر نوعان : قولية وفعلية .
    ومن شعبِ الإيمان القولية شعبةٌ يوجب زوالها زوال الإيمان ، فكذلك من شعبه الفعلية ما يوجب زوالها زوال الإيمان .
    وكذلك شعبُ الكفر القولية والفعلية ، فكما يَكفُرُ بالإتيان بكلمة الكفرِ اختياراً - وهي شعبةٌ من شُعَبِ الكفر - فكذلك يَكفُرُ بفعل شعبةٍ من شعبه ، كالسجود للصنم ، والاستهانة بالمصحف ، فهذا أصلٌ .
    وههنا أصلٌ آخر ، وهو أنَّ حقيقة الإيمان مركبة من قولٍ وعملٍ .
    والقول قسمان : قولُ القلب ؛ وهو الاعتقاد ، وقول اللسان ؛ وهو التكلمُ بكلمة الإسلام . والعملُ قسمان : عملُ القلب ؛ وهو نيته وإخلاصه ، وعملُ الجوارح . فإذا زالت هذه الأربعة زال الإيمان بكماله ، وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء ؛ فإنَّ تصديق القلب شرطٌ في اعتقادها وكونها نافعة ](٥) ا.هـ

    وإذا كان الإيمان يزول بزوال عمل القلب - التصديق - وغير مستنكرٍأن يزول بزوال أعظم أعمال الجوارح ؛ ولا سيَّما إذا كان ملزوماً بعدم محبة القلب وانقياده ، الذي هو ملزومٌ لعدم التصديق الجازم ، كما تقدَّم تقريره .

    وهكذا الهدى ؛ ليس هو مجرَّدُ فعل الحقِّ وتبينه ، بل هو معرفته المستلزمة لاتباعه ، والعمل بموجبه ، وإن سُمِّيَ الأول هدًى ؛ فليس هو الهدى التامُّ المستلزمِ للاهتدى .

    كما أنَّ اعتقاد التصديق وإن سُمِّيَ تصديقاً فليس هو التصديق المستلزم للإيمان . فعليك بمراجعة هذا الأصل ومراعاته .

القاعدة الثالثة : أنَّ الكفر نوعان :
١. كفرٌ أكبر :
١. مخرجٌ لصاحبه عن الملة .
٢. محبطٌ للعمل .
٣. موجبٌ للخلود في النار .
٤. لا يُغفَرُ لصاحبه .
٥. يُنفَى عن صاحبه اسم الإيمان أصلاً وكمالاً .
    كناقض السحر ، وسبِّ الله تبارك وتعالى أو سبِّ رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو سبِّ دين الإسلام ، أو سبِّ القرآن ، أو الإعراض عن دين الله تبارك وتعالى لا يتعلمه ولا يعمل به .
٢. كفرٌ أصغر :
١. لا يُخرِجُ من الملة .
٢. لا يُحبِطُ العمل .
٣. لا يُوجبُ الخلود في النار .
٤. صاحبه تحت مشيئة الله تبارك وتعالى في مغفرته ؛ إن شاء غفر لصاحبه بإيمانه ، أو إن شاء عاقبه بهذا الكفر الأصغر .
٥. لا ينافي أصل الإيمان ؛ بل ينافي كمال الإيمان الواجب ، بحكم الكبائر من الذنوب .
كأمثال النياحة على الميت ، والطعن في الأنساب ، وقتال المسلم ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ ثنتان بالناس هما بهم كفرٌ ، الطعن في الأنساب والنياحة على الموتى ](٦) . وقال : [ سباب المسلم فسوقٌ وقتاله كفر ](٧) .

    هذه القاعدة ؛ قاعدة مهمة ، حيث أنها تبين لنا أن الكفر نوعان ، أكبرٌ وأصغر . كذلك الشركُ والظلمُ والفسقُ والنفاقُ ، كلها نوعان . شركٌ أكبر ، وشركٌ أصغر ، وظلمٌ أكبر ، وظلمٌ أصغر . وفسقٌ أكبر ، وفسقٌ أصغر . ونفاقٌ أكبر ، ونفاقٌ أصغر .

    وهذا الأمر معروفٌ مشهورٌ بين العلماء ، وقد تواردوا عليه . ولا أظنُّ ذا علمٍ ينكره أو يتطرق إليه الشكُّ في ذلك .

القاعدة الرابعة : أنَّ هناك علاقة بين الكفر الأكبر والشرك الأكبر ، وهذه العلاقة علاقة عموم وخصوص .

    كيف ذلك ؟! .

    والجواب أن نقول : أنَّ كلَّ شركٍ كفرٌ ، وليس كلُّ كفرٍ شركاً .

    فالذبح لغير الله تبارك وتعالى ، والنَّذرُ لغير الله تبارك وتعالى ، والخوف من غير الله تبارك وتعالى خوفَ عبادة شركٌ مع الله تبارك وتعالى في تلك العبادة ، وهو أيضاً كفرٌ أكبر مُخرِجٌ لصاحبه عن الملة ، ومناقضٌ للإيمان .

    أمَّا سبُّ الله تبارك وتعالى ، أو سبُّ رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، أو سبُّ دينه ، أو الاستخفافُ بشرعه ، أو الاستهانة به ، أو إهانة المصحف ، ونحو ذلك ؛ فهذا كله كفرٌ مُخرِجٌ عن الملة ، لكنَّه لا يُعَدُّ شركاً في الاصطلاح .

    وكذلك الإعراض عن دين الله تبارك وتعالى أو الاستكبار ، أو الشَّكُّ والارتياب في الله تبارك وتعالى ، فهذا كفرٌ أكبر ولا يُسَمَّى شركاً .

    فهذه قاعدة مهمة أيضاً في علاقة الكفر الأكبر والشرك الأكبر ، أنَّها علاقة عموم وخصوص . فكلُّ شركٍ كفرٌ ، وليس كلُّ كفرٍ شركاً .

القاعدة الخامسة : أنَّ الكفر ورد في موارده المعتبرة ، في أدلة الوحيين الشريفين - الكتاب والسنة - على صورتين :

الصورة الأولى : أن يأتي لفظ الكفر معرفاً بـ ( الألف واللام ) ؛ فيكون المراد به ههنا الكفر المعهود ، أو المستغرق في الكفر ، وهو الكفر المخرج عن الملة ، قال الله تبارك وتعالى : ⦕ وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلۡكُفۡرَ بِٱلۡإِيمَٰنِ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ (١٠٨)(٨) ، فالكفر هنا هو الكفر المخرجُ عن الملة ، لأنه جاء مُعَرَّفاً بـ ( ال ) العهدية ، المسغرقة للكفر الذي يُخرجُ صاحبه من الإسلام .

    الصورة الثانية : أن يأتي أيضاً لفظ الكفر في الأدلة الشرعية في الوحيين منكراً غير معرفٍ لا بـ ( الألف واللام ) ولا بالإضافة والتخصيص ، فلا يُعدُّ حينئذٍ مثل الصورة الأولى ؛ أي لا يكون كفراً أكبر ، بل الأصلُ فيه أنَّه الكفرٌ الأصغر الذي لا يُخرِجُ من الملة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم - : [ سِبابُ المسلم فسقٌ ، وقتاله كفرٌ ] .

    وأمَّا ما جاء في حديث المرأة الكارهة لزوجها في قولها : [ ولكني يا رسول الله أكره الكفر بالإيمان ] ، فقد جاء الكفر هنا بـ ( ال ) العهدية وليست الإستغراقية فكان بمعنى كفران العشير ، فدلَّ ذلك في سياق الحديث على أنَّ معنى الكفر هنا ليس المخرجَ عن الملة .
    ومثل هذا الفرق بين هاتين الصورتين في لفظة ( الكفر ) إذا جاءت معرفة بـ ( ال ) ، أو لفظة ( كفر ) إذا جاءت منكرة ، كذلك هناك فرقٌ بين الاسم المطلق للكفر وبين مطلق اسم الكفر كما مضى معنا .

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في كتابه ( اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ) :
    [ وروى مسلمٌ في صحيحه : عن الأعمش ، عن أبي صالحٍ ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ اثنتان في الناس هما بهم كفرٌ ، الطعن في النسب ، والنياحة على المَيِّت ] ، فقوله : [ هما بهم كفرٌ ] أي هاتان الخصلتان هما كفرٌ قائمٌ بالناس ، فنفسُ الخصلتين كفرٌ ، حيث كانتا من أعمال الكفر(۲) وهما قائمتان بالناس . لكن ليس كلُّ من قام به شعبةٌ من شعب الكفر يصيرُ كافراً الكفرَ المطلق ، حتى تقوم به حقيقة الكفر ، كما أنَّه ليس كلُّ من قام به شعبة من شعب الإيمان يصيرُ مؤمناً ، حتى يقوم به أصل الإيمان . وذلك أنَّ من الكفار من يَصدُقُ ، ومنهم من هو كريم ، لكنه لم يكن بمجرد صدقه وكرمه مؤمناً ، وفرقٌ بين الكفر المُعَرَّفِ باللام ، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - : [ ليس بين العبد وبين الكفر أو الشرك إلَّا تركُ الصلاة ] ، وبين كفرٍ مُنَكَّرٍ في الإثبات .
    وفرقٌ أيضاً ؛ بين معنى الاسم المطلق ، إذا قيلَ : كافرٌ ، أو مؤمنٌ ، وبين المعنى المطلق للاسم في جميع موارده ، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - : [ لا ترجعوا بعدي كفاراً ، يضربُ بعضُكم رقابَ بعضٍ ] .
    فقوله - صلى الله عليه وسلم - : [ يضربُ بعضُكم رقابَ بعضٍ ] تفسير الكفار في هذا الموضع ، وهؤلاء يُسَمَّونَ كُفَّاراً تسميةً مقيدة ، ولا يدخلون في الاسم المطلق إذا قيل : كافرٌ ومؤمنٌ . كما أنَّ قوله تعالى : ⦕ مِن مَّآءٖ دَافِقٖ ٦ ⦖(٩) سُمِّيَ المنِيُّ ماءً تسميةً مُقَيَّدَةً ، ولم يدخل في الاسم المطلق ، حيث قال : ⦕ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ ⦖(١٠) ](١١) ا.هـ
    ولهذا من قاتل المسلمين فقد وقع في كبيرة من كبائر الذنوب ، لكنه لا يكون بمجرد ذلك كافراً حتى يَستَحِلَّ ما وقع فيه .

    هذا وبالله التوفيق ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) [ آل عمران : ١٠٢ ] .
(٢) [ النساء : ١ ] .
(٣) [ الأحزاب : ٧٠ - ٧١ ] .
(٤) متفقٌ عليه .
(٥) انظر كتاب الصلاة لابن قيم الجوزية رحمه الله ، ط مجمع الفقه الإسلامي بجدة ، ص ٨٤ .
(٦) أخرجه مسلم في الإيمان باب إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب والنياحة برقم ( ٦٧ ) .
) أخرجه البخاري في الإيمان باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر ، برقم ( ٤٨ ) . ومسلم في الإيمان برقم ( ٦٤ ) . والترمذي في الإيمان باب سباب المسلم فسوق ، برقم (٢٦٣٥ ) . والنسائي في التحريم باب قتال المسلم ، برقم ( ٤١٢٠ ) .
(٨) [ البقرة : ١٠٨ ] .
(۹) [ الطارق : ٦ ] .
(١٠) [ المائدة : ٣ ] .
(١١) انظر اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ؛ ص ٢١١ .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode

0 التعليقات:

المقالات

   البلاغة العربية نشأتها وصلتها بعلوم الشريعة والعربية    همسة في صماخ الأستاذ علي حملي    إشباع النهم ببيان أقسام تعلق الكلم    الشيخ محمد أيوب رحمه الله سيرة وعطاء    التوحيد هو أعظم الأمور وأهمها    البيان والارتجال في الخطابة والوعظ والمقال    العلم الشرعي وأثره في حياة سلفنا الصالح    الأخوة الإيمانية عند حسام العدني    دولة فاحش والحرب على الإسلام بالوكالة وتفجيرات باريس


Flag Counter

التصفح المباشر

مواقع سلفية

   مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية    مكتبة أبي حمود العلمية