شرح كتاب الطهارة من عمدة الأحكام .. الحديث العاشر
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، أمَّا بعد :
فها نحن مع الدرس الثامن من شرح عمدة الأحكام ، ولا نزال في كتاب الطهارة ومع الحديث العاشر وهو حديث عائشة - رضي الله عنها - فأقول مستعيناً بالله :
[١٠] عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ :
«كَانَ رَسُولُ ٱللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ ٱلتَّيَمُّنُ فِي
تَنَعُّلِهِ ، وَتَرَجُلِهِ ، وَطُهُورِهِ ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ » .
تَخريِج الحديث :
هذا الحديث أخرجه البخاري واللفظ له في
الوضوء باب التيمُّن في الوضوء والغسل ( ١ / ٢٦٩ ) برقم ( ١٦٨ ) ، فقال :
حدثنا حفص بن عمر قال : حدثنا شعبة قال :
حدثني أَشْعَثُ سُلَيْمٍ قال : سَمعتُ أبِي عن مسروق , عن عائشة قالت : «كَانَ ٱلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ ٱلتَّيَمُّنُ فِي
تَنَعُّلِهِ ، وَتَرَجُّلِهِ ، وَطُهُورِهِ ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ » .
كما أخرجه أيضاً في الصلاة باب التيمن في
دخول المسجد وغيره برقم ( ٤٢٦ ) ، فقال :
حدثنا سليمان بن حَرْبٍ قال : حدثنا شعبة ، عن الأشْعَثِ بن سُلَيْمٍ ، عن أبيه ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : « كَانَ ٱلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ ٱلتَّيَمُّنَ مَا ٱسْتَطَاعَ فِي
شَأْنِهِ كُلِّهِ : فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ » .
كما أخرجه أيضاً في الأطعمة باب التيمن في
الأكل وغيره برقم ( ٥٣٨٠ ) ، فقال :
حدثنا عَبْدَانُ ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا
شعبة ، عن أَشْعَثَ ، عن أبيه ، عن مسروقٍ ، عن عائشة قالت : « كَانَ ٱلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التيَمُّنَ مَا ٱسْتَطَاعَ فِي
طُهُورِهِ ، وَتَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِه ِ، وَكَانَ قَالَ بِوَاسِطٍ قَبْلَ هَذَا :
« فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ » .
كما أخرجه أيضاً في اللباس باب يبدأ بالنعل
اليمنى برقم ( ٥٨٥٤ ) ، فقال :
حدثنا حجَّاج بن مِنْهَالٍ ، حدثنا شعبة
قال : أخبرني أَشْعَثُ بن سُلَيْمٍ ، سَمعتُ أبِي يُحَدِّثُ عن مسروقٍ ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : « كَانَ
ٱلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ ٱلتَّيَمُّنَ فِي
طُهُورِهِ وَتَرَجُلِهِ وَتَنَعُّلِهِ » .
كما أخرجه أيضاً في اللباس باب الترجيل
والتيمن فيه برقم ( ٥٩٢٦ ) ، فقال :
حدثنا أبو الوليد ، حدثنا شعبة ، عن أَشْعَثَ
بنِ سُلَيْمٍ ، عن أبيه ، عن مسروقٍ ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أَنَّهُ كَانَ يُعْجِبُهُ ٱلتَّيَمُّنُ
مَا ٱسْتَطَاعَ فِي
تَرَجُّلِهِ وَوُضُوئِهِ .
كما أخرجه مسلم في الطهارة باب التيمن في
الطهور وغيره ، فقال :
حدثنا يَحيَى بن يَحيَى التميمي ، أخبرنا أبو
الأحْوَصِ ، عن أَشْعَثَ ، عن أبيه ، عن مسروقٍ ، عن عائشة قالت : « إِنْ كَانَ
رَسُولُ ٱللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيُحِبُّ ٱلتَّيَمُّنَ فِي طُهُورِهِ
إِذَا تَطَهْرَ، وَفِي تَرَجُّلِهِ إِذَا تَرَجَّلَ ، وَفِي ٱنْتِعَالِهِ
إِذَا ٱنْتَعَلَ » .
كما أخرجه في الباب ذاته ، فقال :
حدثنا عبد الله بن معاذٍ ، حدثنا أبِي ، حدثنا شعبة ، عن الأَشْعَثِ ، عن أبيه ، عن مسروقٍ ، عن عائشة قالت : « كَانَ
رَسُولُ ٱللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ ٱلتَّيَمُّنَ في شَأْنِهِ
كُلِّهِ ، فِي نَعْلَيْهِ ، وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ » .
كما أخرجه أبو داود في اللباس باب في
الانتعال برقم ( ٤١٤٠ ) ، فقال :
حدثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم ، قالا :
حدثنا شعبة ، عن الأَشْعَثِ بن سُلَيْمٍ ، عن أبيه ، عن مسروقٍ ، عن عائشة قالت :
« كَانَ رَسُولُ ٱللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ ٱلتَّيَمُّنَ مَا ٱسْتَطَاعَ فِي
شَأْنِهِ كُلِّهِ ، فِي طُهُورِهِ ، وَتَرَجُّلِهِ وَنَعْلِهِ » .
قال مسلم : وسواكه ، ولَم يذكر « فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ » .
قال أبو داود : رواه عن شعبة معاذٌ ، ولَم
يذكر « سواكه » .
كما أخرجه الترمذي في الصلاة باب ما يُستحب
من التيمن في الطهور برقم ( ٦٠٨ ) ، فقال :
حدثنا هَنَّادٌ ، حدثنا أبو الأَحْوَصِ ، عن
أَشْعَثَ بنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ ، عن أبيه ، عن مسروقٍ ، عن عائشةَ قالت : « إِنَّ
رَسُولَ ٱللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحِبُّ ٱلتَّيَمُّنَ فِي طُهُورِهِ
إِذَا تَطَهَّرَ ، وَفِي تَرَجُّلِهِ إِذَا تَرَجَّلَ ، وَفِي ٱنْتِعَالِهِ
إِذَا ٱنْتَعَلَ » .
كما أخرجه النسائي في الطهارة باب بأي
الرجلين يبدأ بالغسل ( ١ / ٧٨ ) برقم ( ١١٢ ) ، فقال :
حدثنا مُحمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا خالدٌ
قال : حدثنا شعبة قال : أخبرني الأَشْعَثُ قال : سَمعتُ أبِي يُحدِّثُ عن مسروقٍ ، عن عائشة رضي اللهعنها وذكرت : « أَنَّ رَسُولَ ٱللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحِبُّ ٱلتَّيَامُنَ مَا ٱسْتَطَاعَ فِي
طُهُورِهِ وَنَعْلِهِ وَتَرَجُّلِهِ » .
قال شعبة : ثُمَّ سَمعتُ الأَشْعَثَ بواسطَ
يقول : « يُحِبُّ ٱلتَّيَامُنَ » فذكر « شَأْنَهُ كُلَّهُ » . ثُمَّ سَمعته بالكوفة يقول : « يُحِبُّ ٱلتَّيَامُنَ
مَا ٱسْتَطَاعَ » .
كما أخرجه في الطهارة أيضاً باب التيمن في
الطهور ( ١ / ٢٠٥ ) برقم ( ٤١٩ ) ، فقال :
أخبرنا سُوَيْدُ بن نَصْرٍ ، أخبرنا عبد
الله ، عن شعبة ، عن الأَشْعَثِ بن أبي الشَّعْثَاءِ ، عن أبيه ، عن مسروقٍ ، عن
عائشة قالت : « كَانَ ٱلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ ٱلتَّيَمُّنَ مَا ٱسْتَطَاعَ ، فِي طُهُورِهِ وَتَنَعْلِهِ وَتَرَجُّلِهِ » .
وقال بواسطٍ : « فِي
شَأْنِهِ كُلِّهِ » .
كما أخرجه في الزينة باب التيامن في الترجل ( ٨ / ١٨٥ ) برقم ( ٥٢٥٥ ) ، فقال :
أخبرنا مُحمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا
خالدٌ قال : حدثنا شعبة قال : أخبرني الأَشْعَثُ قال : سَمعتُ أبي يُحَدِّثُ عن
مسروق ، عن عائشة وذكر : « أنَّ رَسُولَ ٱللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحِبُّ ٱلتَّيَامُنَ مَا ٱسْتَطَاعَ فِي
طُهُورِهِ وَتَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ » .
كما أخرجه ابن ماجه في الطهارة باب التيمن في
الوضوء برقم ( ٤٠١ ) ، فقال :
حدثنا هَنَّادٌ السَّرِيُّ ، ثنا أبو
الأَحْوَصِ ، عن أَشْعَثَ بن أبي الشَّعْثَاءِ ، (ح) وحدثنا سفيان بن وكيعٍ ، ثنا عمرو
بن عبيد الطنافسي ، عن أَشْعَثَ بن أبي الشَّعْثَاءِ ، عن أبيه ، عن مسروقٍ ، عن
عائشة : « أَنَّ رَسُولَ ٱللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحِبُّ ٱلتَّيَمُنَ فِي ٱلطُّهُورِ
إِذَا تَطَهَّرَ ، وَفِي تَرَجُّلِهِ إِذَا تَرَجَّلَ ، وَفِي ٱنْتِعَالِهِ
إِذَا ٱنْتَعَلَ » .
كما أخرجه أحْمد في مسنده برقم ( ٢٤٦٢٧ ) ( ٤١ / ١٧٤ ) ، فقال :
حدثنا بهزٌ ، قال : حدثنا شعبة ، قال : أشعثُ
بن سُلَيْمٍ أخبرني ، قال : سمع أباه يُحَدِّثُ عن مسروقٍ ، عن عائشة ، أنَّها
قالت : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحبُّ التَّيَمُّنَ في شأنه كله ما استطاع في طهوره وتَرَجُّلِهِ
وتَنَعُّلِه » .
قال : فلمَّا قَدِمَ أشعثُ الكوفة ، قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التَّيَمُّنَ ما استطاع .
راوي الحديث :
هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها سبقت ترجمتها
في الحديث الثالث .
المفردات :
قولها « التَّيَمُّنُ
» : أي البداءة باليمنى من يدٍ أو رجل ، والتَّيَمُّنُ والتَّيامُنُ بمعنى واحد ،
وهو مأخوذٌ من اليُمنِ والبركة .
قولها
« تنعله » : أي في لبسه لنعله صلى الله عليه وسلم .
قولها « تَرَجُّلِه
» : أي مشط شعر رأسه صلى الله عليه وسلم بالمشط وتسريحه .
قولها « وطُهورِه
» : أي في وضوءه يبدأ باليد اليمنى والقدم اليمنى ، وفي اغتساله صلى الله عليه وسلم يبدأ بالشِّقِّ الأيمن .
قولها « وفي شأنِه
كلِّه » : أي في جميع أموره المستحسنة صلى الله عليه وسلم ، وهذا عمومٌ مخصوص .
المعنى الإجمالي :
نساء النبي صلى الله عليه وسلم أمهاتُ المؤمنين رضي الله عنهن ، حَرِصنَ على نقل أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في الأمور التعبدية ومعاملاته المنزلية للمسلمين ؛ حتى يقتدوا به صلى الله عليه وسلم في كل أمرٍ من أموره صلى الله عليه وسلم .
وها هي أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها تنقل لنا عن
النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان يلبس نعله ، ويرجل شعره ، ويتوضؤ ، ويرفع حدثه الأكبر صلى الله عليه وسلم ، بل وفي كلِّ شؤونه ، وأنَّه كان يبدأ شأنه كلَّه باليمين ،
وأنَّه كان يُحبُ التَّيَمُّنَ في كلِّ شؤونه صلى الله عليه وسلم . وهذا قد يكون إمَّا بإخباره صلى الله عليه وسلم لها بهذه الأمور ، أو عن طريق القرائن .
وأنَّه كان مُستمراً على هذا حتى انتقل إلى
الرفيق الأعلى صلى الله عليه وسلم . وأنَّ التَّيَمُّنَ كان من سننه صلى الله عليه وسلم في الأمور المستحسنة . وأمَّا الأمور المستكرهة
فلها من الأدلة ما يُخرجها من هذا العموم أو تشملها قاعدة الاستحباب والكراهة ، كدخول الخلاء ، وإن كان دخول الخلاء لم
يرد في كيفية دخوله دليلٌ مطلقاً . والخروج من المسجد قد ورد فيه حديث عند الحاكم ،
وهذا الحديث قد ضعفه الشيخ الوادعي رحمه الله . وما أشبه
ذلك .
فقه الحديث :
يؤخذ من هذا الحديث أمور :
أولاً : حرص
نساء النبي صلى الله عليه وسلم على نقل أموره التعبدية وغيرها كأمور التكريم والتزيين للأمة
جميعاً ، وهذا من بيان العلم حتى يعبد الناسُ ربَّهم على وفق ما شرع صلى الله عليه وسلم .
ثانياً :
أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حُبِّبَ له البداءة باليمين فيما كان من الأمور الحسنة التي محلها
التكريم ، ومباشرة الأمورة المستكرهة بالشمال .
ثالثاً : قولها رضي الله عنها « كان » دلَّ على استمرارية النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الكيفية طيلة عمره صلى الله عليه وسلم .
رابعاً :
اختلف الفقهاء هل البدء باليمين من الواجبات أم من المستحبات ؟ . فعند الشافعي كما
حكى ابن دقيق العيد - رحمه الله - أنَّه من المستحبات ، على
الرغم من وهم المرتضى الشيعي في نسبة القول بوجوب البداءة باليمين إلى الشافعي .
والمعروف عن الشافعي - رحمه الله - القول بوجوب الترتيب
أي في الوضوء والاغتسال ، وحجته أنَّها كالعضو الواحد ، حيثُ جُمِعا في القرآن
الكريم .
بل أنَّ العيني قد حكى عن ابن المنذر الإجماع
على أنَّه لا إعادة على من بدأ بيساره في وضوءه قبل يمينه(١) . وقد قال
ابن قدامة - رحمه الله - [ لا خلاف بين أهل العلم – فيما علمنا – في استحباب البداءة باليمنى ، وممن رُوِيَ ذلك
عنه أهل المدينة ، وأهل العراق ، وأهل الشام ، وأصحاب الرأي ، وأجمعوا على أنَّه
لا إعادة على من بدأ بيساره قبل يمينه ](٢) ا.هـ
وقال النووي - رحمه الله - [هذه قاعدة
مستمرة في الشرع وهي أنَّ ما كان من باب التكريم والتشريف كلبس الثوب والسراويل
والخفِّ ودخول المسجد والسواك والاكتحال وتقليم الأظفار وقصِّ الشارب وترجيل الشعر
وهو مشطه ونتف الإبط وحلق الرأس والسلام من الصلاة وغسل أعضاء الطهارة والخروج من
الخلاء والأكل والشرب والمصافحة واستلام الحجر الأسود وغير ذلك مما هو في معناه ؛
يستحب التيامن فيه ، وأمَّا ما كان بضده كدخول الخلاء والخروج من المسجد والامتخاط
والاستنجاء وخلع الثوب والسراويل وما أشبه ذلك فيستحب التياسر فيه ، وذلك كلُّه
بكرامة اليمين وشرفها ، والله أعلم . وأجمع العلماء على أنَّ تقديم اليمين على
اليسار من اليدين والرجلين في الوضوء سنة لو خالفها فاته الفضل وصَحَّ وضوؤه ،
وقالت الشيعة : هو واجب ولا اعتداد بخلاف الشيعة ، واعلم أنَّ الابتداء باليسار
وإن كان مجزياً فهو مكروه نصَّ عليه الشافعي وهو ظاهر ](٣) ا.هـ
والحديث في هذا يُحسَمُ عند معرفتنا لما
تدُلُّ عليه لفظة « يُعجِبُه » ، هل هي للندبية أم
للإيجاب ، وإن كان الصنعاني - رحمه الله - يرى أنَّ
الإعجاب لا يَدُلُّ على شيء من الأحكام ، وأنَّ فعل ما يُعجبه لا شرعية فيه .
قلت - والقائل أبو حمود عفا الله عنه - : لو لم يكن من الأمر
إلَّا متابعته على فعله صلى الله عليه وسلم لكفى بذلك مشروعية .
فكيف وفعله صلى الله عليه وسلم مبَيِّنٌ لما أُجمِلَ في كتاب الله تبارك وتعالى . ومن أفعاله صلى الله عليه وسلم ما هو عبادة كالطُّهور ، فعند ذلك استحب البدء بالميامن ، وقد
ثَبَتَ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه حَلَقَ رأسه صلى الله عليه وسلم فبدأ بشقه الأيمن ثُمَّ الأيسر . وأمَّا ما كان من قبيل العادة
كالتَّنَعُّلِ والترجُّلِ فكفانا فيه متابعته عليه صلى الله عليه وسلم بل أنَّ من العادات ما جاء الأمر فيه على سبيل الوجوب كالأكل
والشرب حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : [ يا غلام سمِّ الله ، وكُل بيمينك ، وكُل ممَّا يليك
](٤) . وكذلك في أخذه وعطائه صلى الله عليه وسلم .
وهذا ما أشار إليه الصنعاني - رحمه الله - بقوله : [ فكلُّ فعلٍ يحبه الله ويحبه رسوله صلى الله عليه وسلم فهو يَدُلُّ على مشروعيته المشتركة بين الإيجاب
والنَّدبِ ](٥) ا.هـ
خامساً : أنَّ
في قولها « وفي شأنه كلِّه » عامٌ مخصوصٌ بغيره من
الأدلة في اختصاص هذا بما كان من قبيل التكريم والتزين ، وأنَّ لفظة « كلِّه » تأكيد دالٌ على التعميم ، رافعٌ للمجاز .
سادساً :
أنَّ أكثر روايات البخاري لهذا الحديث جاءت بغير واوٍ في قولها رضي الله عنها « وفي شأنِهِ كلِّهِ » ، وأمَّا في الرواية التي جاءت
مثبتة بواو وهي ما اختاره المصنفُ ؒ - وهي رواية
أبي الوقت عبد الأول بن عيسى السِّجزِي(٦) .
فيقال حقيقة الشأن ما كان فعلاً مقصوداً ،
وما يستحبُّ فيه البدء بالشمال فلا يكون فعلاً مقصوداً فهي إمَّا تروكٌ وإمَّا غير
مقصودة .
فوردت في أول بعض الروايات ووردت في بعضها في
آخرها ، فهي شاملة لجميع أمر النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء موضحاً في أول الشرح .
سابعاً : ورد
في رواية أبي داود قوله : « قال مسلم : وسواكه ، ولَم يذكر « فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ » » هذه الزيادة
شاذَّة ، ومسلمٌ هذا هو بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة حافظٌ من رجال الشيخين ،
وزيادة الثقة إذا خالفت رواية الثقات كانت شاذة .
قال الشيخ الألباني - رحمه الله - : [ فلو
أنَّه كان المخالف له حفص بن عمر هذا فقط ، لحكمنا على هذه الزيادة بالصحة ،
لأنَّها زيادة من ثقة ، وهي مقبولة ، غير أنَّه قد خالفه جماعة آخرون من الثقات ،
رووه جميعاً عن شعبة به ](٧) ا.هـ
والعجيب أنَّ الحافظ ذكرها في الفتح في شرحه
على الحديث (٨) ، والعيني في عمدة القاري(٩) ، وسكتا عنها
موهِمَينِ صحة الرواية وثبوتها .
هذا وبالله التوفيق ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) عمدة القاري ( ٣ / ۳۲ ) .
(٢) المغني ( ١ / ١٥٣ ) .
(٣) المنهاج للنووي ( ٣ / ٢٠٥ ) .
(٤) أخرجه البخاري في الأطعمة باب التسمية على الطعام والأكل باليمين ، برقم ( ٥٣٧٦ ) . ومسلم ( ٦ / ١٠٩ ) . والنسائي في الكبرى ( ق ٢ / ٥٩ ) . وابن ماجه برقم ( ٣٢٦٧ ) . والدارمي ( ٢ / ١٠٠ ) .
(٥) العدة للصنعاني ( ١ / ٢٠٩ ) .
(٦) هو الشيخ الإمام الزاهد الخَيِّر الصوفي ، شيخ الإسلام ، مسندُ الآفاق أبو الوقت ، عبد الأول بن الشيخ المحدِّث المُعَمَّرِ أبي عبد الله عيسى بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق ، السِّجزِي ، ثمَّ الهروي الماليني . الذي قلَّ أن تجد طالب علم في الحديث إلَّا وهو يسند البخاري من طريقه . انظرترجمته في السير ( ٢٠ / ٣٠٣ ) ت ( ٢٠٦ ) .
(٧) السلسلة الضعيفة ( ١٢ / ٧٧٣) .
(٨) انظر فتح الباري للحافظ ابن حجر ( ١ / ٢٦٩ ) برقم ( ١٦٨ )
(٩) انظر عمدة القاري للعيني رحمه الله ( ٣ / ٣١ ) .
كتبه
أبو حمود هادي بن قادري بن حسين محجب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) عمدة القاري ( ٣ / ۳۲ ) .
(٢) المغني ( ١ / ١٥٣ ) .
(٣) المنهاج للنووي ( ٣ / ٢٠٥ ) .
(٤) أخرجه البخاري في الأطعمة باب التسمية على الطعام والأكل باليمين ، برقم ( ٥٣٧٦ ) . ومسلم ( ٦ / ١٠٩ ) . والنسائي في الكبرى ( ق ٢ / ٥٩ ) . وابن ماجه برقم ( ٣٢٦٧ ) . والدارمي ( ٢ / ١٠٠ ) .
(٥) العدة للصنعاني ( ١ / ٢٠٩ ) .
(٦) هو الشيخ الإمام الزاهد الخَيِّر الصوفي ، شيخ الإسلام ، مسندُ الآفاق أبو الوقت ، عبد الأول بن الشيخ المحدِّث المُعَمَّرِ أبي عبد الله عيسى بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق ، السِّجزِي ، ثمَّ الهروي الماليني . الذي قلَّ أن تجد طالب علم في الحديث إلَّا وهو يسند البخاري من طريقه . انظرترجمته في السير ( ٢٠ / ٣٠٣ ) ت ( ٢٠٦ ) .
(٧) السلسلة الضعيفة ( ١٢ / ٧٧٣) .
(٨) انظر فتح الباري للحافظ ابن حجر ( ١ / ٢٦٩ ) برقم ( ١٦٨ )
(٩) انظر عمدة القاري للعيني رحمه الله ( ٣ / ٣١ ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

| روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
| URL | |
| HTML | |
| BBCode | |















0 التعليقات: