المسلمون .. ورأس السنة...
بسم الله الرحمن الرحيم إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّمَ تسليماً كثيراً.
⦕يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ ٢٠١⦖(١)، ⦕يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٍ وَٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَآءًۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبًا ١⦖(٢)، ⦕يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلًا سَدِيدًا ٠٧ يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا ١٧⦖(٣)، أمَّا بعد:
فإنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ مُحدَثَاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النَّار.
واعلم حفظك الله ورعاك أنَّ التهنئة برأس السنة الميلادية لا يجوز شرعاً، وهو حرام، لأنَّ هذا من أعياد النصارى التي ابتليَ بها كثيرٌ من المسلمين الآن.
وقد دهانا الأمر حتى في هذه البلاد من بعض الجهلاء ممن راجَ عليهم الأمر وجهلوا حكمه. ولما فيه من التشبه بهم، ومن تشبه بقومٍ فهو منهم. ولأن التهنئة بأعياد الكفار هو رضاً بها وزيادة. وقد اتفق علماء أهل السنة والجماعة أن الرضا بأعياد الكفار يُعَدُ مُخرجاً للعبد من الإسلام، نسأل الله السلامة والعافية. كما أفردَ الإمام ابن القيم في كتابه (أحكامُ أهل الذمة) فصلاً كاملاً في حكم حضور أعياد أهل الكتاب، ورد فيه قوله: [وكما أنَّه لا يجوز لهم إظهاره - يقصد أهل الذمة لا يظهرون عيدهم بين أظهر المسلمين- فلا يجوز للمسلمين مُمَالاتُهم عليه، ولا مساعدتهم، ولا الحضور معهم، باتفاق أهل العلم الذين هم أهله](٤).
ثُمَّ نقل كلاماً لبعض أصحاب أئمة المذاهب الأربعة؛ فيها إجماعهم على حرمة الحضور والمشاركة والمعاونة والاحتفال، أو حتى ما يعينهم على أعيادهم أو يكون سبباً للاحتفال بها.
وقد قال الله تبارك وتعالى: ⦕وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسۡجِدًا ضِرَارًا وَكُفۡرًا وَتَفۡرِيقَۢا بَيۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَإِرۡصَادًا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَيَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ ٧٠١⦖(٥)، فإذا كانت الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام وهي واجبة على كل مسلم ومسلمة؛ ولكنه تبارك وتعالى حرَّمَ أداءها في مسجد الضرار لأنَّه مسجدٌ أقيم لمحاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولمحاربة دين الله تبارك وتعالى، ونهى نبيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيه فقال له: ⦕ لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدًاۚ ⦖(٦).
وقِس على هذا الكنائسُ والبِيَعُ والمعابد الوثنية والجاهلية؛ كلها أماكن لا يجوز للمسلم التواجد بها ولا أداء أي عبادةٍ بها. ولا التهنئة بأعيادهم أو حضورها أو المشاركة بها. لأنَّ في ذلك تشبهاً بهم أو إرصاداً لمن حارب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. والإرصاد معناه الترقب، وقد كان المنافقون أهل مسجد الضرار يرقبون عودة أبي عامر الكاهن. وهذا له قصة نسوقها في موضع آخر إن شاء الله تبارك وتعالى.
وعن ثابت بن الضَّحَّاك قال: [نَذَرَ رجلٌ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحرَ إبلاً في بُوانة - وبوانة موضع من مواضع الجاهلية يُضبَطُ بضم الباء وهو أشهر ويُضبطُ بفتحها-.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هل كان فيها وثَنٌ من أوثان الجاهلية يُعبَدُ؟ قالوا: لا، قال: هل كان فيها عيدٌ من أعيادهم - يعني أهل الجاهلية -، قالوا : لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوفِ بنذرك، فإنَّه لا وفاء لنذرٍ في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم](٧).
وعلى هذا؛ فإنَّه لا يجوز المشاركة في أعياد اليهود والنصارى ولا كافة الكفار والوثنيين، ولا يجوز تهنئتُهم بها، ولا يجوز تهنئة المسلمين فيما بينهم بها.
فيا أيها المسلمون؛ أظهروا الاعتزاز بينكم بكتاب ربكم، وبدينكم وبرسولكم صلى الله عليه وسلم وبسنته، ولا تُبدوا الذلة والخضوع لغيركم، بتقليدهم في كلِّ ما من شأنه الحط من قدرِ الإسلام والمسلمين. وإذا كنتم ولابُدَّ مقلدين لهم؛ فقلدوهم في الأخذ بأسباب القوة والعز والتمكين.
وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الكفر والكافرين، وأبرم لأمة محمدٍ أمراً رشدا، يعزُ فيه أهل طاعتك وولايتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُذَلُّ فيه من عاند وكفر.
⦕سُبۡحَٰنَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلۡعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ٠٨١ وَسَلَٰمٌ عَلَى ٱلۡمُرۡسَلِينَ ١٨١ وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢٨١⦖(٨).
كتبه فقير عفو ربه ورحمته
أبو حمود هادي بن قادري بن حسين محجب
الثلاثاء الرابعُ عشر من جمادى الأولى
لعام اثنين وأربعين وأربعمائة وألف للهجرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) [آل عمران:١٠٢].
(٢) [النساء:١].
(٣) [الأحزاب:٧٠-٧١].
(٤) انظر أحكام أهل الذمة للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله، ط رمادي للنشر ص١٢٤٥.
(٥) [التوبة:١٠٧].
(٦) [التوبة:١٠٨].
(٧) أخرجه أبو داود برقم (٣٣١٣).
(٨) [الصافات:١٨٠-١٨٢].
| روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
| URL | |
| HTML | |
| BBCode | |
















0 التعليقات: