شرح كتاب الطهارة من عمدة الأحكام .. الحديث الثاني
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ، أما بعد :
فها نحن مع الدرس الثاني من شرح كتاب الطهارة من متن عمدة الأحكام , وكنا في الدرس
الأول قد انتهينا من الكلام على الحديث الأول ، واليوم مع الحديث الثاني وهو حديث
أبي هريرة رضي الله
عنه ، فأقول مستعيناً بالله
:
الحديث
الثاني
[2] عن أبي هريرة رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لاَ
يَقْبَلُ ٱللَّهُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» متفق عليه .
تَخريج الحديث:
هذا الحديث أخرجه البخاري بِهذا اللفظ في الحيل بابٌ في الصلاة برقم ( 6954 ) فقال
: حدثني إسحاق بن نصر , حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن هَمَّامٍ عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لاَ يَقْبَلُ ﭐلله صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى
يَتَوَضَّأَ».
والمناسبة ظاهرة للباب وهي أنَّ من صلى وعليه حدث وهو يعلم فقد أتى بِحيلة مبطلة
للصلاة .
كذلك أخرجه في الوضوء باب لا تقبل صلاة بغير طهور برقم ( 135 ) فقال :
حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن
هَمَّام بن منبه أنَّه سَمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لاَ
تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّىٰ يَتَوَضَّأَ» , قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ : مَا ﭐلْحَدَثُ يَا
أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ قَالَ : فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ .
كما أخرجه مسلم في الطهارة باب وجوب الطهارة للصلاة , فقال :
حدثنا مُحمد بن رافع , حدثنا عبد الرزاق بن هَمَّام , حدثنا مَعْمَرُ بن راشدٍ ,
عن هَمَّام بن منبه - أخي وَهْب بن منبه - قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة عن مُحمد
رسول الله صلى الله
عليه وسلم فذكر أحاديث منها وقال
رسول الله صلى الله
عليه وسلم : «لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّىٰ
يَتَوَضَّأَ» .
كما أخرجه الترمذي في الطهارة باب ما جاء في الوضوء من الريح برقم ( 76 ) , فقال :
حدثنا مَحمود بن غيلان , حدثنا عبد الرزاق , أخبرنا مَعْمَرٌ , عن هَمَّام بن منبه
, عن أبي هريرة عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : «إِنَّ ﭐلله َلاَ
يَقْبَلُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّىٰ يَتَوَضَّأَ» .
كما أخرجه الإمام أحْمد في مسنده ( 13 / 442 ) برقم ( 8078 ) , فقال :
حدثنا عبد الرزاق , أخبرنا معمر , عن هَمَّام بن منبه , أنَّه سَمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول
: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : «لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّىٰ يَتَوَضَّأَ» قَالَ : فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ حَضْرَمُوتَ :
مَا ٱلْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ قَالَ : فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ .
كما أخرجه أيضاً بالسند ذاته ( 13 / 532 ) برقم ( 8222 ) , دون سؤال الحضرمي ,
فقال :
حدثنا عبد الرزاق بنُ هَمَّام , حدثنا معمر , عن هَمَّام بن منبه , قال هذا ما
حدثنا به أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لاَ
يَقْبَلُ ٱللَّهُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّىٰ يَتَوَضَّأَ» .
راوي الحديث :
هو عبد الرحْمن وهو الصحيح , وقيل عبد الله , ابن صخر الدوسي , صحابيٌ جليل , قدم
المدينة سنة سبع للهجرة ولازم النبي صلى الله عليه وسلم , وسَمِع منه الحديث , وكان أكثر الصحابة رواية عنه , مات سنة
ثَمان , وقيل تسعٍ وخَمسين .
موضوع الحديث :
أنَّ الطهارة شرط من شروط الصلاة .
المفردات :
قوله «لاَ يَقْبَلُ ٱللَّهُ» هذا نفي , والنفي أبلغ من النهي , لأنَّه يتضمَّن النهي ؛
وزيادة نفي حقيقة الشيء .
قوله «صَلاَةَ» : الصلاة في اللغة معناها الدعاء . وفي الشرع هي عبادة ذات
أقوال وأفعال مَخصوصة تَحريِمها التكبير وتَحليلها التسليم .
قوله «أَحْدَثَ» : يعني وقع منه الحدث .
قوله «حَتَّى يَتَوَضَّأَ» : أي حتى يُجدد طهارته بالوُضوء .
المعنى الإجْمالي :
جعل النبي صلى الله عليه وسلم الطهارة شرطاً من شروط صحة الصلاة , ثُمَّ أخبر صلى الله عليه وسلم بعدم قبول صلاة من أحدث حتى يتوضأ .
والحدث عند الأصوليين هو وصفٌ حكمي مقدَّرٌ قيامه بالأعضاء , يَمنعُ وجودُه من صحة
العبادة المشروط لَها الطهارة . والحدث يُطلق على كلِّ ما خرج من السبيلين , فهو -
أي الحدث - إمَّا أكبر موجب للغسل , أو أصغر موجب للوضوء . أمَّا ما فسره به أبو
هريرة رضي الله عنه أنَّه فساء أو ضراط ؛ - حينما سأله رجل من حضرموت ؛ ما
الحدث يا أبا هريرة ؟ - هو في ما كان الحدث أصغرَ ولا يَجب له الاستنجاء . ولذلك
خصَّ الوضوء بالذكر إمَّا من باب التغليب , أو من باب التنبيه بالأخفِّ على الأغلظ
.
أمَّا من فسَّر الحدث بأنَّه ما أوجب غسلاً أو وضوءً ؛ فهذا مَحل نظر . فلو قلنا
أنَّ الوضوء واجب على من أكل لَحم الجزور ؛ فهل يُعدُّ أكل لَحم الجزور حدثاً
أصغرَ ؟ , هذا غير صحيح , لأنَّ أكل لَحم الجزور يُعدُّ ناقضاً من نواقض الوضوء
ولا يُعدُّ حدثاً , والصحيح في تعريف الحدث ما ذهبنا إليه إن شاء الله .
فقه الحديث :
أولاً : يؤخذ
من هذا الحديث أنَّ ما وافق هدي النبي صلى الله عليه وسلم من الأعمال الشرعية فهو مقبول , وما خالفه فهو مردود
على فاعله .
ثانياً : أنَّ
الطهارة شرطٌ من شروط الصلاة , فالصلاة لا تَصح إلاَّ بِها . وكل ما شُرِط له الطهارة
فلا يصح إلاَّ بِها كالطواف وغيره . وأمَّا مس المصحف ففيه خلافٌ .
ثالثاً : في
الحديث دليل على عدم وجوب الوضوء لكل صلاة , بل يكفي وضوء واحد , وجُعِلَت غايته
إلى حين وقوع الحدث ثُمَّ يُعاوِدُ تَجديد الوضوء , كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ؛ حيث صلى الصلوات الخمس بوضوء واحد ومسح
على الخفِّين , فقال عمر رضي
الله عنه : «لقد صنعت اليوم
شيئاً لَم تكن تصنعه . قال : «عَمْداً
صَنَعْتُهُ يَا عُمَر» .
والحديث مُخرَّجٌ عند مسلم في الطهارة باب جواز الصلوات بوضوء واحد , كذلك هو عند
أبي داود والترمذي .
رابعاً : أنَّ
في الحديث ردٌّ على من يرى وجوب الاستنجاء على المحدث بريح قبل الوضوء .
خامساً : أنَّ
الحدث ناقضٌ للوضوء ومبطلٌ للصلاة ؛ ولو كان في الجلوس للتشهُّد الأخير , وأنَّ
الحديث ردٌّ على من يرى صحة الصلاة مع ذلك , لأنَّها تكون تفسد بالحدث كفساد الحج
بالوطء .
سادساً : أنَّ
المراد بعدم القبول هنا هو عدم صحة الصلاة وعدم إجزائها وعدم براءة الذمة بِها .
تنبيه : هنا
مبحث مهم يجب على كل طالب علم أن ينتبه له ، وهو أنَّه قد يتساءل كثيرٌ من طلاب
العلم ، ما هو ضابط التفريق بين نفي الصحة ونفي الثواب في كثير من النصوص كمثل هذا
النص ؟ .
والجواب على هذا سهلٌ بيِّنٌ ؛ فنقول إذا وجد في النص أمر خارج عن العبادة يمكن أن
يحال عليه نفي القبول ؛ صار نفي ثواب . وإذا لم يكن في النص أمر خارج عن العبادة
يمكن أن يحال عليه نفي القبول صار النفي للصحة .
فمثلاً قوله صلى الله
عليه وسلم : «لا يقبل الله صلاة عبد آبق» ، فالأبوق أي هروب العبد عن سيده هو أمر خارج عن شروط
الصلاة وأركانها وواجباتها ، ومادامت صلاته مستوفية الشروط والأركان والواجبات فهي
صحيحة إلاَّ أنه غير مثاب عليها بسبب معصية الأبوق . وأمَّا قوله صلى الله عليه وسلم : «لا
يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» في هذا الحديث ؛ فإن نفيَ القبول هنا هو نفيُ صحة
لأنَّ الأمر الذي ترتب عليه نفي القبول هو انتفاء شرطٍ من شروط الصلاة وهو الطهارة
لذا صار النفي نفي صحة .
هذا والله أعلم ، وبالله التوفيق . وصلى الله وسلم وبارك على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه
أخوكم
أبو
حمود هادي بن قادري بن حسين
محجب
| روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
| URL | |
| HTML | |
| BBCode | |














0 التعليقات: