سلسلة العقيدة والتوحيد - الجزء الأول بيان معنى الإسلام
إن الحمد لله ؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً .
⦕ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ
وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ (١٠٢) ⦖(١) ، ⦕ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٍ وَٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَآءَۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبًا ١ ⦖(٢) ، ⦕ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ
وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا (٧١) ⦖(٣) ، أما بعد :
فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله ، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمور محدثاتها ، وكلَّ محدثة بدعة ، وكلَّ بدعة ضلالة ، وكلَّ ضلالة في النار .
وفي هذه الأسطر نستعرض معًا بيان معنى الإسلام وأنَّه دين جميع الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
ومعنى الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله ، وهو دين جميع الرسل والأنبياء ، وإن اختلفت الشرائع ، لأنَّ الإسلام مفهومه عبادة الله تبارك وتعالى بما شرعه في كل وقت بحسبه . يقول الله تبارك وتعالى عن نوح عليه السلام : ⦕ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ (٧٢) ⦖(٤) ، ويقول عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام : ⦕ إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٣١ ⦖(٥) ، ويقول عن موسى عليه الصلاة والسلام : ⦕ وَقَالَ مُوسَىٰ يَٰقَوۡمِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ فَعَلَيۡهِ تَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّسۡلِمِينَ (٨٤) ⦖(٦) .
ويقول عن حواريِّي المسيح : ⦕ وَإِذۡ أَوۡحَيۡتُ إِلَى ٱلۡحَوَارِيِّۧنَ أَنۡ ءَامِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّنَا مُسۡلِمُونَ ١١١ ⦖(٧) .
ويقول فيمن تقدم من الأنبياء : ⦕ يَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسۡلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ ⦖(٨) . وهو دين سليمان عليه الصلاة والسلام ، يقول تبارك وتعالى عن بلقيس : ⦕ رَبِّ إِنِّي ظَلَمۡتُ نَفۡسِي وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَيۡمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ
ٱلۡعَٰلَمِينَ ٤٤ ⦖(٩) .
فالإسلام بمفهومه الشامل يتضمن الاستسلام لله وحده . فمن استسلم لله ولغيره كان مشركاً ، ومن لم يستسلم له كان مستكبراً . والمشرك والمستكبر عن دين الإسلام كلاهما كافر . والاستسلام له وحده تبارك وتعالى يتضمن عبادته وحده وطاعته وحده - وهذا دين الإسلام الذي لا يقبل الله تبارك وتعالى غيره - كما قال تبارك وتعالى : ⦕ وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينًا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ (٨٥) ⦖(١٠) .
وذلك إنما يكون بأن يُطاعَ في كل وقتٍ بفعل ما أمر به في ذلك الوقت ، فإذا أمر في أول الأمر باستقبال الصخرة ، ثم أمر ثانيًا باستقبال الكعبة كان كلٌّ من الفعلين حين الأمر داخلًا في الإسلام . فالدين هو الطاعة والعبادة في الفعلين . وإنَّما تتنوعُ بعض صور الفعل وهو وجهة المصلي ، فكذلك الرسل وإن تنوعت الشِّرعة والمنهاج والوجهة والمنسك فإنَّ ذلك لا يمنع أن يكون الدين واحداً ، كما لا يمنع ذلك في شريعة الرسول الواحد(١١) . وقد قال تبارك وتعالى : ⦕ قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ
وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ (١٣٦) فَإِنۡ ءَامَنُواْ بِمِثۡلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِۦ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا هُمۡ فِي شِقَاقٖۖ فَسَيَكۡفِيكَهُمُ ٱللَّهُۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ (١٣٧) ⦖(١٢) .
فأمرنا تبارك وتعالى أن نقول آمنا بكل هذا ونحن له مسلمون ، فمن بلغته رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، فلم يُقِرَّ بما جاء به لم يكن مسلماً ولا مؤمناً ، بل يكون كافراً وإن زعم أنَّه مسلم أو مؤمن ؛ لأنَّه بعد بعثة محمدٍ صلى الله عليه وسلم صار الإسلام هو الإيمان به صلى الله عليه وسلم واتباعه ، ومن لم يؤمن به صلى الله عليه وسلم ويتبعه فليس بمسلمٍ ولا بمؤمن وإن زعم أنَّه على دين نبي من الأنبياء ؛ لأنَّ جميع الأديان السماوية نُسِخَت بدين محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وهو خاتم النبيين ، فالذي يتَّبِعُ غيرَ دين محمد صلى الله عليه وسلم إنَّما يَتَّبِعُ ديناً منسوخاً قد انتهى العمل به . قال تبارك وتعالى : ⦕ قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ
غَفُورٞ رَّحِيمٞ (٣١) قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ
لَا يُحِبُّ ٱلۡكَٰفِرِينَ (٣٢) ⦖(١٣) .
وهذا إذا سلم شيءٌ من الأديان السماوية السابقة من التغيير والتبديل والتحريف فهو منسوخ لا يجوز العمل بشيءٍ منه إلَّا ما أقرَّه الإسلام .
وإلى هنا نكون قد أتينا على الجزء الأول من هذه السلسلة المباركة وهو ( بيان معنى الإسلام وأنَّه دين جميع الأنبياء والرسل ) ، في الجزء القادم من هذه السلسلة المباركة سنأتي على ( بيان مكونات الإسلام ) إن شاء الله تبارك وتعالى . هذا والله أعلم ، وصلى الله وسلم وبارك على محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
أبو حمود هادي محجب
١٣ / ٤ / ١٤٣٩هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) [ آل عمران : ١٠٢ ] .
(٢) [ النساء : ١ ] .
(٣) [ الأحزاب : ٧٠ ـ ٧١ ] .
(٤) [ يونس : ٧٢ ] .
(٥) [ البقرة : ١٣١ ] .
(٦) [ يونس : ٨٤ ] .
(٧) [ المائدة : ١١١ ] .
(٨) [ المائدة : ٤٤ ] .
(٩) [ النمل : ٤٤] .
(١٠) [ آل عمران : ٨٥ ] .
(١١) انظر التدمرية لشيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله .
(١٢) [ البقرة : ١٣٦ ـ ١٣٧ ] .
(١٣) [ آل عمران : ٣١ ـ ٣٢] .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


| روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
| URL | |
| HTML | |
| BBCode | |














0 التعليقات: