ما هو حبل الحبلة ؟! . . .
إن الحمد لله ؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلَّ له ، ومن يضلِل فلا هاديَ له ، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ، صلى عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
[يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ
حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ](1) ، [يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي
خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ
ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبًا](2) ، [يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ
وَقُولُواْ قَوۡلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن
يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا](3) ، أما بعد :
فإنَّ أصدقَ الحديث كتاب الله ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ ، وشرَّ الأمور محدثاتها ، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلَّ ضلالة في النار .
جاء عند البخاري(4) ومسلم(5) وغيرهما ؛ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، أن رسول الله : [ نهى عن بيع حَبَلِ الحَبَلَةِ ، وكان يتبايعه أهل الجاهيلة ، كان الرجل يبتاعُ الجزور إلى أن تُنْتَجَ الناقة ، ثم تُنْتَجَ التي في بطنها ] .
رواي الحديث :
هو عبد الله بن عمرو بن العاصي بن وائل السهمي رضي الله عنه وعن أبيه ، أبو محمد وقيل أبو عبد الرحمن ، أمه ريطة بنت منبه بن الحجَّاج السهمي ، صحابي جليل ، وهو من فقهاء الصحابة ، أسلم قبل أبيه ، مات بالشام سنة خمس وستين ، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة(6) .
موضوع الحديث :
النهي عن بيع الغرر أو عن بيع نوع من أنواع الغرر .
المعنى الإجمالي :
لا زلنا أيُّها الإخوة الكرام مع بيان أنواع بيوع الغرر ، ونحن اليوم مع ( حَبَلِ الحَبَلَة ) ، فما هو حبل الحبلة ؟! .
المراد بحبَلِ الحَبَلَةِ حمل الحمل الذي في بطن الناقة ، فالحبَلُ بالتحريك : مصدرٌ سُمِّيَ به المحمول ، كما سُمِّيَ بالحمْل ، وإنَّما دخلت عليه التاء للإشعار بمعنى الأنوثة فيه ، فالحَبَلُ الأول يراد به ما في بطون النوق من الحمل ، والثاني حَبَلُ الذي في بطون النوق(7) .
قال المقدسي رحمه الله : [ إنَّه كان يبيع الشارف - وهي الكبيرة المسنة - بنتاج الجنين الذي في بطن ناقته ](8) .
قلت - والقائل أبو حمود عفا الله عنه - : وهذا القول من الإمام عبد الغني رحمه الله - ظنه الكثيرون من الحديث وأدخلوه فيه ، والصواب أنه ليس من الحديث ، وإنما هو تفسير من صاحب العمدة - رحمه الله - لمعنى حبل الحبلة .
وقال شيخنا النجمي رحمه الله : [ مثال ذلك ؛ أن يكون لأحد المتبايعين شارف هزيلة ، فاشتراها آخر منه ، وكانت له ناقة حاملٌ ، فقال لصاحب الشارف : بعني شارفك هذه بما تلِدُه ما في بطن ناقتي هذه ](9) .
ولابن القيم - رحمه الله - كلام في ماهيته ، فقال : [ وهو نتاج النتاج في أحد الأقوال ، والثاني : أنَّه أجل ، فكانوا يتبايعون إليه ، هكذا رواه مسلم ، وكلاهما غرر ، والثالث : أنَّه بيع حمل الكرم قبل أن يبلغ ، قاله المبرد . قال : والحَبْلَة : الكرم بسكون الباء وفتحها ، وأمَّا ابن عمر رضي الله عنهما ، فإنَّه فسره بأنَّه أجلٌ كانوا يتبايعون إليه ، وإليه ذهب مالكٌ والشافعي ، وأمَّا أبو عبيدة ، ففسره ببيع نتاج النتاج ، وإليه ذهب أحمد ](10) .
قلت - والقائل أبو حمود عفا الله عنه - والقول الأول هو المشهور عند المحدثين والفقهاء ، وهو ما فسره به عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - في الحديث .
فقه الحديث :
يؤخذ من هذا الحديث عدة مسائل :
أولاً : تحريم هذا النوع من البيوع لاشتماله على غرر واضح وصريح يتنافى مع مطالب الشريعة في تحقيق العدالة .
ثانياً : مثل هذه البيوع لا تمت إلى أخلاقيات الإسلام بصلة ، بل هي من بيوع الجاهلية التي أبطلها الإسلام .
ثالثاً : احتواؤه على الريبة وعدم الوضوح ، كون أحد المتبايعين يبيع شارفه بنتاج النتاج الذي لا يدرى بموعده ، ولا نوعه ؛ فهل سيكون ذكراً أم أنثى ؟! ، فإن كان ذكراً توقف نتاجه وانتهى ، وإن كانت أنثى فقد تموت قبل نتاجها ، وهل يكون لها نتاج أو لا يكون أصلاً ؟! . وهذا من قبيل بيع معلوم بمجهول ، وفيه من التغرير على المشتري الشيء الكثير .
فائدة لغوية :
قال شيخنا النجمي - رحمه الله - : [ وقد ذكر الأمير الصنعاني أن الحَبَلَ اسمٌ لحمل الإناث من بنات آدم ، ونقل عن ابن الأنباري اتفاق أهل اللغة على أنَّ الحَبَلَ يختصُّ بالآدميات ، أمَّا غير الآدميات فيقال : حَمْلٌ . ولا يقال : حَبَل ](11) .
قلت - والقائل أبو حمود عفا الله عنه - : وكلُّ ما ورد في القرآن الكريم في هذا الخصوص هو لفظة الحمل مطلقاً ، ولم يرد لفظة الحَبَلِ إلَّا في كلام العرب ، ومنه قول امرئ القيس في معلقته :
فَمِثْلُكِ حُبْلَى قَد طَرَقْتُ وَمُرْضِعٍ .. فَأَلْهَيْتُهَا عَن ذِي تَمَائِمَ مُحْوِلِ
هذا والله أعلم وبالله التوفيق ؛ وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه / أبو حمود هادي محجب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) [ آل عمران : 102 ] .
(2) [ النساء : 1 ] .
(3) [ الأحزاب : 70 - 71 ] .
(4) أخرجه البخاري في البيوع باب بيع الغرر وحبل الحبلة برقم ( 2143 ) .
(5) أخرجه مسلم في البيوع باب تحريم بيع حبل الحبلة برقم ( 1514 ) .
(6) انظر الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر ( 6 / 308 ) ترجمة رقم ( 4869 ) .
(7) انظر النهاية لابن الأثير ( 1 / 334 ) .
(8) انظر عمدة الأحكام في البيوع باب ما ينهى عنه من البيوع .
(9) تأسيس الأحكام ( 3 / 26 ) .
(10) انظر زاد المعاد المجلد الخامس .
(11) تأسيس الأحكام ( 3 / 25 ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
URL | |
HTML | |
BBCode |
0 التعليقات: